العلم والعلم اليقين  


نتنفّس الصّعداء عادة ونحن نتلذذ بقراءة كتاب أو متابعة حوار علمي أو مناقشة أهل العلم فيما يزيدنا إحساسا بأن الإنسان يساوي وجوده، مقدار ما أخذ منه، ومقدار ما فهم، ومقدار ما تعلّم، ومقدار ما تفاعل معه وبه ولأجله، فأدرك بعدها أنه يمشي إلى النور، فلا جوّ رائقاً كذاك الذي يبني داخلك، ويكسبك الحكمة في الحياة لأجل الحياة ذاتها فـ(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..) لا يستوون، إقرار رباني بأنّهم لا يستوون. لماذا؟ لأنّه في اعتقادي أنّ الجاهل صَنَّاع مشاكل والعالم حلّالها، وشتان بين من يصنع المشكلة وبين من يذيب العقل للتفكير في حلّها.

تؤتى الدنيا بالعلم، وتؤتى الآخرة -لمعتقد فيها- بالعلم أيضا، ولكن حين تحرّكنا الأهواء تتغير المعادلة، ويثبت حلّها في ضرورة الوقوف على ملغزات الوجود ومغاليقه لفكّ ما فيها من أسرار تشي بأنّ الطبيعة هي من تصنع المعجزات لتصوغ للإنسان القول بعدمية الحياة، ومن ثم إعطاء الإنسان العالِم بهذا المقاس شرعية العبث في الأرض بحيث لا يدّخر جهدا في صناعة الموت لأجل أن تبقى اعتقاداته السائدة وسيلته في التباهي بالفساد.

ما نراه في المشرق اليوم من دمار تحرّكه العقول العالِمة، وما نلمسه من ضياع بين الأناسي تحرّكه العقول العالِمة أيضا، هذه العقول التي استشرفت بقاءها بمحاربة العلم اليقين الذي يرقق القلب ويفتح الوجدان على صنع التّسامي بجعل فضاءات الروح أرقى، وهي تؤسس لبهاء الإنسان الذي لا يفقه سرّه إلا المتسابقون في صنع الفرح وفق ثلاثية الحق والخير والجمال، والتي أيقنَتْ أنّ نهاية العالَم ليست لعدم، وإنما لعالَم آخر جوهر خلوده التأكيد على أنّ للكون إلها مدبّراً فوق كل تدبير لا يفقه كنهه إلاّ الراّسخون في العلم، و الواقفون على الأسرار والمدركون أنّ عَطَلَةَ المسلمين في تعطيل مباهجهم الرّوحية، وتكالبهم على فتات الغير باسم العلم الذي رسخ مركزية الإنسان وألغى مركزية الإله، ومن ثمّ بات الاعتقاد في التغيير والتطوّر لصيقاً بفكرة تغيير الجلد التي تضمن لإنسان اليوم الاستمرار في الحياة وأيّ حياة؟؟

في واقعنا اليوم، نحسّ أنّ كل شيء أفرغ من محتواه؛ برامج التعليم، القائمون عليه، مصادر المعرفة، إبداعات المتميزين،، قراءة الحاضر، استشراف المستقبل، حالة من الإرباك تعمّ كلّ شيء لتعطينا صورة شبيهة بالأفلام الهندية والكورية والتركية الموغلة في الطول لتحفيز الفراغ وشَغْلِ العامة ولاسيما الشباب والشابات بأنّ الحياة تبدأ في رجل وتنتهي عنده أو العكس، وفق علاقات مشبوهة لا تحتمي بالعلم اليقين، وإنّما تتفنّن في تجفيف منابع النور الموصولة بالوحي لتغرق الإنسان في المتاه والتلاشي باسم العلم الذي يعني في بعده المادي ضرورة تجاوز فكرة الخالق لضمان حياة أمتع يحلّل فيها المحرّم، ويحرّم فيها المباح. فتضيع الأمنيات والأحلام والمشاريع.

صحيح أنّ التكنولوجيا سهّلت علينا الحياة، ولكنّها صعّبت علينا التحكّم في أبنائنا وتوجيهم بما يليق، فكم من أب يعاني من عقوق الأبناء، وكم من أم تشكو تمرّدهم أيضا، وبين هذا وذاك يشتغل العقل الواعي على قوله : وقل رب زدني علما. فبالعلم اليقين تزهر الأرض البور وتؤتي أكلها بإذن ربّها كما أزهرت في أيام خوالي صارت في عرف المنكرين لها بعضا من الخرافة والأساطير.

فيا واهب العلم، ارزقنا العلم اليقين.

دة. ليلى لعوير

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>