مشكلة الإلحادالجديد: كيف نفهمها ؟وكيف نواجهها ؟ (1/4)


الإلحاد هو:موقف جحود وإنكار وعداوة للدين بصفة عامة والألوهية بصفة خاصة. وعندما بحث علماؤنا قديما في الإلحاد لم يعتبروه نظرية تقوم على برهان يستحق الرد، حتى قال الشهرستاني: “أما تعطيل العالم عن الصانع العليم القادر الحكيم فلست أراها مقالة لأحد، ولا أعرف عليها صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية، ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو معترف بالصانع، فما عُدّت هذه المسألة من النظريات التي قام عليها برهان”.

وربما كان الإلحاد زمن الشهرستاني وقبله كما ذكر في عبارته السابقة نظرية لا تستحق العناية والرد، لكن الواقع الفكري العالمي والمحلي اليوم اختلف اختلافا كبيرا، فبعد أن اجتاح الإلحاد الغرب وكثيرا من بلاد الشرق الأقصى وبلدان أخرى، بدأ الزحف الإلحادي متوجها إلى بلادنا وأوشك أن يتحول إلى ظاهرة إن لم يكن كذلك.

واقع الإلحاد اليوم:

تشير الإحصاءات المختلفة المصادر إلى أن 9 % من سكان العالم ملحدون، وأن أوربا من أوسع القارات التي ينتشر فيها الإلحاد ليصل في بعض دولها إلى 40 % كفرنسا، و25 % بريطانبا، وإذا انتقلنا إلى أمريكا ففيها 9 % ملحدون، وكندا 23 % وهكذا، وأما عالمنا العربي فمن عجب أن تكون نسبة 6 % ملحدين ممن أجري عليهم استطلاع الرأي حول الإلحاد في بلد مثل السعودية، وقريب من ذلك في مصر وغيرها، مما يعني أننا أمام ظاهرة خطيرة لها حضورها وتأثيراتها.

مقاومة الإلحاد من واجبات الوقت:

لكل وقت واجباته العاجلة التي لا يقبل الله أداءها بعد انقضائه، ومن واجبات وقتنا هذا مقاومة الإلحاد، وذلك بكشف زيفه ومغالطاته، ودحض شبهاته، وتثبيت يقين المؤمنين بإظهار أدلة الإيمان الناصعة وحججه الدامغة، اقتداء بالسف الكرام رضي الله عنهم حيث بادروا بالرد على الفكر القدري لما نبتت نابتته، ولما ظهرت دعاوي الخوارج تصدوا لها وفندوا جوانيها ونقضوا أسسها، وهكذا كانت أعمالهم في الدفاع عن الإسلام علاجا وبناء، علاجا لنوازل زمانهم الفكرية والعملية، وبناء لإقامة الحضارة والحياة على الدين القويم، فلا يصح في عقل عاقل أن نجترَّ أفكاراً تاريخية لا وجود لها ونشعلها معارك وهمية، تاركين المعارك الحقيقية التي تجتاح عقول الجيل الحاضر، فنصبح كالذي يدعو للنزال في غير ميدان، أو يضحك في بيت العزاء.

الإلحاد والملحدون ألوان وصنوف:

للإلحاد في النظر الشرعي عدة معاني، منها: الطعن في الدين، ومنها سوء التأويل والقصد إلى التحريف، ومنه الميل عن القصد، وكل معنى منها منتزع من دلالة آية قرآنية.

وقد مارس الملحدون المعاصرون تلك الأنواع كلها فطعنوا في الدين بدءا من مقام الألوهية مرورا بالنبوات وانتهاء إلى فروع مسائل الدين، وألبسوا ذلك كله ثوب العقل تارة، والعلم تارة أخرى. وتنوعوا بين ملحد منكر لوجود الإله، ولا ديني لا يعترف بالأديان، ولا أدري شاك في كل شيء إلهي أو ديني، وهكذا، وبعض هؤلاء ألحدوا إلحادا عاطفيا سببته الأهوال الواقعة للمسلمين اليوم في بقاع شتى، فقال لماذا يسمح الله بفتنة عباده الصالحين وتقتيلهم على ما نرى اليوم، ثم سأل: أين الله؟ أهو موجود؟ وإن كان موجودا وقادرا فلم لم يحم عباده المؤمنين؟ ثم توصل بفعل الصدمة والأزمة وضغط الانفعال بأنه غير موجود؛ لأنه لو كان موجودا لحمى عباده ودافع عنهم ونصر دينه وقهر عدوه، وهو في تلك الانفعالات الغاضبة بعيد عن توجيه سديد من أهل العلم.

فراغ ديني وروحي وعملي:

والحق يقال إن كثيرا من هؤلاء الشباب المتشكك أو الملحد إنما أوصلته إلى ذلك تلك الفجوة الحاصلة بينه وبين الدعاة وأهل العلم، حيث أصبح خطابنا الدعوي اليوم بجموده وضعف تفهمه لقضايا الشباب وواقعهم، من أسباب المشكلة، حيث زهَّدَهم هذا الخطاب على حالته تلك في الإقبال على أهل العلم وجعلهم ينفرون من كلماتهم، وهنا نؤكد أن الغالب على الخطاب الدعوي اليوم هو السطحية والهشاشة، وأحسن أحواله أنه ينحو منحى الوعظ والرقائق، ومعلوم أن الخطاب الوعظي المجرد لا يصنع وعيا، ولا يبني عقلا، إذ سرعان ما يذهب أثره مع الرغبات والشهوات والانشغالات، وقد سبب ذلك كله فراغا روحيا وعلميا صحبه فراغ عملي، وفي مثل هذه الظروف يغدو الشباب غير قادرين على الصمود أمام السيل الهادر من الشبهات التي تحاصر هذا الجيل من كافة النواحي، وعبر الكثير من المنافذ والوسائل.

فجدير بأولي العلم والنخبة المؤمنة التي تحمل همَّ الأمة وتسعى في إصلاحها أن تعنى بصناعة خطاب يلبي حاجات العقل والقلب، ليتحول شباب الأمة من مجرد التقليد في دينه إلى القناعة والفهم والوعي والطمأنينة التامة التي تجعله قادرا على مواجهة المخاطر الفكرية بكل قوة وصلابة.

الإلحاد الجديد ليس تيارا عفويا:

ولئلا يستهان بظاهرة الإلحاد الجديد الزاحف بين صفوف أبناء الأمة يجب أن ننبه على أنه لم يوجد صدفة، ولم ينتشر هكذا انتشارا عفويا بلا رعاية، فكل التقارير المنجزة في هذا المجال تؤكد أنه تيار تدعمه دول ومنظمات وأجهزة ومؤسسات عالمية، نذكر منها على سبيل المثال:

- التحالف الدولي للملاحدة.

- رابطة الملاحدة .

- مؤسسة ريتشار روكنز لدعم العقل والعلم.

- الاتحاد الدولي للاتجاه الإنساني والأخلاقي.

- الرابطة الدولية لغير المتدينين.

وهذا على سبيل المثال لا الحصر، مما يحتم علينا أن ننظر إلى أمر الإلحاد المعاصر على أنه خطر يهدد هذا الجيل والأجيال القادمة، لهذا وجب أن تنعقد من أجل مواجهته المؤتمرات وتنظم في سبييل الوقاية منه الندوات وتصنف الكتب.

كما ينبغي التنبيه إلى أن الفكر الإلحادي سرعان ما يجد في جامعاتنا أرضا خصبة، وبخاصة تلك الجامعات والكليات المدنية التي لا تعنى كثيرا بالدرس الشرعي.

د. أحمد زايد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>