تكفير المسلم باب خطير ما نجا منه إلا من سكت


عن ابن رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» متفق عليه.

قوله: «فقد باء بها أحدهما» قال الهروي رحمه الله تعالى: أصل البوء: اللزوم، ومنه «أبوء لك بنعمتك علي» أي أقر بها وألزمها نفسي. وقيل: باء في اللغة رجع بشر. قيل: فعلى هذا معنى باء بها أي بكلمة الكفر.

وقيل: رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره.

وقيل: أن ذلك يؤول به إلى الكفر، ويخاف على المكثر من معصية التكفير أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر.

ولهذا لم يتجرأ أحد من أعلام الإسلام على تكفير أحد من أهل القبلة يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه: الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن اسباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول: لاإله إلا الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطإ في سفك محجمة من دم مسلم.

ويقول الإمام النووي : اعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، وإن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذلك من استحل الزنا أو الخمر وغيرها من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: لايجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطإ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة.

ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم، بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن “من قال لأخيه ياكافر، فقد باء بها أحدهما”. اهـ

وعن أبي ذر  أنه سمع رسول الله  يقول: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه» متفق عليه. “حار”: رجع.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: والحاصل أن المقول له إن كان كافرا شرعا فقد صدق القائل وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه، كذا اقتصر على هذا التأويل في رجع، وهو من أعدل الأجوبة. اهـ

إن الداعية الرسالي هو الذي يحتاط في باب التكفير أكثر من احتياطه في غيره، لأن حرصه على إدخال الناس في دين الله أكثر من حرصه على إخراجهم منه، فكلما أمكن حمل أحوال الناس على وجه حسن كان أفضل، إذ المشقة في إصلاحهم ودعوتهم إلى الحق، ولكن ما أسهل رميهم بالكفر والتخلص منهم.

ذ. عبد الحميد   صدوق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>