صور  ناصعة من معاملة النبي  للشباب 1


إذا رجعنا إلى سيرة رسول الله  نتلمس كيف كان الحبيب المصطفى  يتعامل مع الشباب من الصحابة الكرام وحاولنا التأسي به؛ لعدنا بما يشفي الغليل ولصَلُح حال شبابنا اليوم.

لقد كان رسول الله  يتعامل مع الأطفال قبل أن يصبحوا شبابا بما يحبون، كان  رحيما بهم عطوفا عليهم، وكل ذلك محاولة منه أن يبث فيهم تلك المعاني السامية في تقويم السلوك وبناء الإنسان السوي ذي الشخصية الناجحة.

فعن أبي هريرة  قال: “كنا نصلي مع رسول الله  العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذا رقيقا ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه” (مسند الإمام أحمد بن حنبل).

إن الطفل عندما يعامله أبواه برفق وهو على ظهرهما في الصلاة يزداد حبا في الصلاة, فيحاول أن يقلدهما في صغره يوما بعد يوم حتى يتعلم كيفية الصلاة، ومع كبره يترسخ فيه حب للصلاة، وهكذا حتى يصير شابا محافظا على الصلاة، وربما وجدته بعدها يؤم أمه وأباه في بيتهما؛ إنها التربية بالأسوة الحسنة.

إن ما يروج اليوم عن نفسية المراهقين وكونهم حالة استثنائية تستوجب التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما كسبت أيديهم قد شجع كثيرا على ما آل إليه حال شباب الأمة اليوم. يروج عنهم أنهم يمتلكون طاقة كبيرة تستوجب تفريغها، ويروج عنهم أنهم وصلوا إلى حد يريدون فيه التعبير عن ذواتهم فلا يجدون طريقا للتعبير عن ذلك إلا بما هو مشاهد وملاحظ، يقولون عنهم أنهم وصلوا إلى سن يحتاج معه الشباب إلى الشعور باستقلال شخصيتهم فلم يعودوا يتقبلون فيه الأوامر والنصائح وإنما يفعلون ما تملي عليهم أنفسهم، يروج عنهم كل هذا وغيره كثير..

إذا سلمنا بكل هذا؛ لأنه صادر من علماء ومختصين نفسيين واجتماعيين يتبادر إلى الدهن سؤال. ألم يكن لمراهقي زمن رسول الله  نفس الخصائص؟ فلم لم نسمع عنهم أن كان يصدر منهم مثل ما يصدر من شباب اليوم؟ إنها تربية رسول الله ، الذي كان يوليهم عناية خاصة، وهذه التربية التي جعلتهم شبابا صالحين، ولنعرض بعضا من مظاهر هذه العناية:

ملء أوقات فراغهم وتكليفهم بالمهام الجسام:

إن مما ثبت من هدي النبي  في التعامل مع الشباب أنه كان يوليهم المهام الجسام، ويحملهم المسؤوليات العظام، محاولة منه زرع الثقة فيهم، فمن ذلك أنه أرسل مصعب بن عمير وهو لا يزال شابا يافعا إلى المدينة ليفقه الأنصار ويعلمهم دينهم, ويدعوهم إلى الإسلام, ويهيئ المدينة ليوم الهجرة. فكان بذلك أول سفير في الإسلام. وأرسل معاذا بن جبل إلى اليمن وله -بضع وعشرون سنة- أميرا عليها. وأمر  أسامة بن زيد رضي الله عنهما على جيش المسلمين من كبار المهاجرين والأنصار ولم يبلغ العشرين من عمره، وزكاه لما طعن بعض الناس في إمارته، فقال : «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإنه كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده» (فتح  الباري، رقم 3597).

 ثناؤه عليه السلام على الشباب:

إن الشباب والمراهقين يحبون المحمدة والثناء عليهم لأنهم يحبون الظهور ويحبون أن يشعر الآخرون بوجودهم وقوتهم، ولذلك كان الحبيب المصطفى  كثيرا ما يشيد بأعمال الشباب من الصحابة ويثني عليهم، فعن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله : «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن وثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين؛ وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» (أخرجه ابن حبان في صحيحه، رقم 7131).

دعاؤه  لشباب الصحابة رضوان الله عليهم:

لا يخفى على ذي لب ما للدعاء من دور في قضاء الحوائج وتسهيل الأمور والوقاية من الشرور، خصوصا إذا كان صادرا من صادق ملحاح، وما أحوج شبابنا إلى دعوة الصادقين والصالحين من هذه الأمة، ومن دعاء الرسول  للشباب:

دعاؤه  لأنس بن مالك: عن قتادة عن أنس عن أم سليم أنها قالت يا رسول الله هذا أنس خادمك ادع الله له، قال: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته» (رواه البخاري ومسلم) قال أنس “فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعدون نحو المائة اليوم” (رواه مسلم).

 دعاءؤه لأصحابه:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي  خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر وقال: «اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم» (رواه أبو داود وغيره).

 دعاؤه لعلي  عنه:

عن علي  قال كنت راكبا فمر بي رسول الله  وأنا أقول: “اللهم إن كان أجلي قد حضر فارحمني، وإن كان متأخرا فارفعه عني، وإن كان بلاء فأصبرني”، فقال رسول الله : «كيف قلت؟» فأعاد عليه ما قال، فضربه في رجله، وقال: «اللهم عافه أو اشفه» شك شعبة. قال علي: “فما اشتكيت وجعي بعد” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

ومن خلال هذه النماذج التربوية الرائعة يمكن  استخلاص ما يلي:

- أن النبي  قد أجاد توظيف طاقات الشباب الخلاقة، واستطاع أن يزرع في أنفسهم الثقة بالنفس، والإرادة القوية،

- أن الشباب الذين تربوا على يديه  كانوا قادة في كل خير ونماذج رائعة في الأخلاق والبذل والعطاء وقاموا بأدوار كبيرة، وتحملوا مسؤوليات جسيمة كان لها الفضل الأكبر في نشر الإسلام في كل بقاع الدنيا.

- أن تربية الشباب والعناية به هو عماد كل نهضة وكل مشاريع الخير في المجتمع، وأن إهمالهم إهمال للفرص الكبرى في التقدم والرقي المادي والمعنوي.

محمد المعطلاوي


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “صور  ناصعة من معاملة النبي  للشباب