من أوراق  شاهدة – هل يرجعون ؟ ذلك هو السؤال الكبير 1/2


يمرون أمام أعيننا كأنهم مجرد ذباب نزيحه عن أنظارنا بحركة لاهية  وقد اعتدنا على ملامحهم لتكرار حضورها في مشاهدنا البصرية..إنها صور أولئك البؤساء الذين يجرون عربات النفايات خضراوات وغيرها.

قد تصعقنا وجوههم المدبوغة المنذورة لعواصف عنف قد لا تبقي ولا  لا قدر الله، لكن الكثيرين منا يجهلون  أن عملية هدر مريعة للكرامة الإنسانية  وهم أبطالها تجري أطوارها بمطارح النفايات المعرشة بضواحي المدينة. لا يعرفون مثلا أن مواطنين يغادرون أحياءهم الهامشية بعيد الفجر بقليل متوجهين إلى تلك المطارح، حيث بقضيب حديدي معقوف يغمسون رؤوسهم  للتنقيب في المزابل لعلهم يصادفون نفايات تحتاج إلى تدوير فيبيعونها بثمن بخس  إلى أشخاص مكلفين بحملها إلى مؤسسات خاصة تعيد الاشتغال المربح عليها ..

يسميهم البعض “البوعارة” وقديما كانوا يسمونهم “الميخالة “لكن الفرق واضح بين الحرفتين التبخيسيتين للكرامة الإنسانية، ففي حين يعكف “الميخالي” على أكوام الأزبال ليستخلص منها بقايا الأكلات الفاسدة، ليسد بها رمقه فإن البوعار يبحث عما يسمى الهمزات ليغسلها ويكويها إن كانت ملابس ويعرضها في الأسواق الشعبية نظير مبلغ رمزي كما يقوم  في نفس الوقت بانتقاء النفايات الصالحة  لتسليمها إلى مافيات التدوير الوسيطة مقابل 25 أو 50 درهم ..

وفي كلتا اللوحتين وما بين الأكل  “الميخالي” الخطير التبعات  والتسوق “البوعاري” وحمل المتلاشيات على ظهر البهائم والتفتيش القلق في عين المكان للعزل بين الصالح، والصالح الطالح، تتشكل الملهاة بل المأساة الإنسانية.. إذ تكبر بعيدا عن البنيان الإسلامي المرصوص بناءات منخورة لأناس بؤساء يحيون على هامش الكرامة والعيش الإنساني المقبول، في مجتمعات تتبنى المنظومة الإسلامية الرحيمة، وترفع شعار الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على التآزر والتراحم  يقول رسول الله  «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم».

وإذا كان هذا هو الجزء الظاهر من اللوحة الأسيفة، فإن تفاصيل أخرى تنتمي إلى المشهد إياه لا تني تطلع إلى السطح وتذكرنا بأن ظواهر أخرى ليست أقل خطرا تخدش جمال اللوحة وتهم هذه المرة كل شرائح الوطن وتتعلق بالنفايات العابرة للقارات والتي دأب الغرب على دفنها في العالم “المتخلف” كما يسمونه وإفريقيا تحديدا .

وإذا كانت النفايات المحلية تشكل لوحدها تهديدا لصحة وسلامة المواطنين سواء الذين يبحثون فيها عن مصدر للعيش أو أولئك الذين يستنشقون ريحها العقيم فإن النفايات الآتية من الغرب تعتبر جسر عبور إلى مشتل الأمراض الفتاكة والمسرطنة تحديدا ، إذ تقبر في فيافي إفريقيا مواد نووية ذات مخاطر مخيفة ويكفي القول أن أطنان المواد النووية التي تم دفنها من طرف أمريكا بدول الخليج إبان حرب الخليج تصيب بالهلع وفي المقابل توقع في القارة الإفريقية اتفاقيات لقبر أطنان النفايات المسرطنة ، ويموت الغلابى صباح مساء جراء جشع المتنفدين،  فإذا سألت أحدهم عن ذلك أو تلك المرأة التي مرت أمامك وهي وهو في كامل قواهم الجسمانية  قيل لك بلهجة غافلة [ والو مسكين ما بيه ما عليه بات ما صبح ] ووراء الأكمة ما وراءها من استهتار بالحياة الآدمية وجشع مالي لاستغلاليين كبار وصغار لا يأبهون بالحياة الإنسانية وأمانة الاستخلاف تجاه أولئك الذين يتحملون مسؤوليتهم في أي مهام تدبير كانوا [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال أوفوا بيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم] متفق عليه.

إن الحديث النبوي إياه جد بليغ وعميق ففي ثناياه تكمن الحكمة العظيمة للتشريع السماوي الذي يحمل المسؤولية للجميع لا الخلفاء فحسب كما في ظاهر الحديث بل حتى المحكومين في قول رسول الله : «ثم أعطوهم حقهم» وهي الأمانة الجماعية التي تقتضي القيام الرسالي بمهام إعمار الأرض. ومن مهام الإعمار الحفاظ على سلامة بيئة الوطن أرضا وسماء ونباتا وكائنات حية بكل أشكالها، قال تعالى: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ..ونعمة التسخير هذه تتعرض لأكبر عمليه احتيال تشوه فيها ثمار الخالق خضراوات وفواكه وزروع لا تسمد بل تسمن عنوة وفي غير وقتها وتلقم بغير ثمار جنسها وتتغدى لا على الماء والهواء فحسب بل على المبيدات الكيماوية التي تخرج للعباد مأكولات هجينة يقول الخبراء أنها مسرطنة في الكثير منها وتهدد الحياة البشرية مصداقا لقوله تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض  الذي عملوا لعلهم يرجعون فهل يرجعون ذلك هو السؤال الكبير؟ وللحديث بقية بإذن الله .

ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>