لآلئ وأصداف 2 ـــ سارة أوباما، العاشقة المتيمة


من قلب كينيا، أحاطت بها لواعج الحب، ورجتها الأشواق رجا، فأعدّت الزاد، وانطلقت نحو المحبوب، لا ترجو غير رضاه، ولا تبتغي غير وجهه. حبها لا يطفئ ناره إلا اللقاء، والتزلف والقربى ممن نذرت نفسها له. وهن العظم واشتعل الرأس شيبا، فهي تحمل نفسها حملا، ولكن أجنحة الشوق تحولها إلى كائن أثيري لا ترهقه أغلال المادة، ولا تشده أوهاق الطين. من لم يعرف الحبّ كيف يذوق اللذة الكبرى، والحلاوة المثلى؟ من لم يعرف الحبّ كيف له أن يستسهل الصعب ويذل المطايا؟ حبها يحدو بها إلى حيث يطيب المقام، ويحلو القيام، إلى الحرمين.

تتذكر سارة شريط محاولة فصلها عن ذاتها، عن دينها، عن جذورها، فتحمد الله الذي أنقذها، ورد مكر الماكرين.

ففي أبريل من عام 2009، تعرضت سارة لضغط الكنيسة الإنجيلية في كينيا لتنظيم طقوس تعميدها وتحويلها إلى النصرانية، وكان مقررا أن يتم التعميد في ملعب جوموكينياتا، الرئيس الكيني السابق، في مدينة كيزيمو، وذلك في مؤتمر تبشيري عقدته الكنيسة، مما أثار غضب الأوساط الإسلامية في كينيا، وتحركت عائلة سارة لرفع هذا الضغط التبشيري. وكانت سارة قد صرحت قبل ذلك بسنتين لصحيفة نيويورك تايمز: “أؤمن بقوة في العقيدة الإسلامية”. ولكن هذا التصريح لم يجعل الكنيسة تيأس من تنصير جدة الرئيس الأمريكي، ماما سارة أوباما. إلا أن أداءها مناسك العمرة، في رمضان هذا (1437) قطع الطريق على المرجفين، فقد انتصر حب الله ورسوله  على ما سواه.

تنطلق سارة أوباما، جدة سيد البيت الأبيض، رفقة سعيد أوباما، عم الرئيس الأمريكي، لا يلويان على شيء حتى تلثم الشفاه التربة الطيبة، هناك في الحرمين، عينٌ على مكة، أول بيت وضع للناس، حيث يجثو التاريخ على قدميه، وتروي الأحقاب ملاحم الإيمان التي شهدها الإنسان، وعينٌ على المدينة المنورة، حيث عندليب الكون، محمد ، يربي الطائفة من المؤمنين على عينه بإذن ربه . سارة تشتاق إلى الروضة الشريفة، لتكون قريبة من طِيبٍ ما بعده من طِيبٍ، تنعش به الروح الولهى، والقلب الخافق الجناحين بين الجوانح.  تطوف سارة حول البيت سبعا، وتقبل الحجر الأسود قبلة العاشق الولهان، الظامئ إلى شربة من كأس المحبوب. تصلي عند مقام إبراهيم، ثم تتضلع من ماء زمزم، لتتوجه نحو المسعى. وهناك، وهي تسعى ما بين الصفا والمروة، تُطوى أسفار الزمن، وتُختصر المسافات الضوئية، لتستحضر العاشقة المتيمةُ تلك الفدائيةَ الأولى، هاجر. سارة تستحضر سعي هاجر، وهي تهرول بحثا عن قطرة ماء تروي بها وليدها إسماعيل. هاجر تسعى إلى إطفاء عطش مادي يرهقها ويرهق صغيرها، أما سارة فقد كانت تسعى إلى إطفاء عطش روحي يحمله قلب الأم. هل هناك قلب أحنى من قلب الأم؟ هي تعرف ما أدركه حفيدها، سيد البيت الأبيض، من المجد الدنيوي. من كان يحلم أن باراك حسين أوباما سيصل ليحكم البلد الذي يرى أنه يحكم العالم؟ عندما وقف ليؤدي القسم الذي يؤديه الرؤساء قال: أنا، باراك حسين، أوباما.. كثير من الناس فاجأهم اسم حسين.. لم يكونوا يعرفون أن أباه كان مسلما، وأن أسرته كانت وما تزال مسلمة حتى الآن. ربما كان ذلك العرق الدساس هو الذي ألهمه بأن يجعل جامعة القاهرة أول محطاته إلى الخارج، وأن يوجه منها خطابه الشهير إلى العالم الإسلامي، رغم أن مضمون ذلك الخطاب لم يتحقق منه شيء، لأن الحاكم الحقيقي في البيت الأبيض هم أولئك الذين يكمنون خلف ستائره، ويكتمون أنفاس من يظهر عليه أمارت الخروج على مبادئهم وخططهم. وها هي الأمّ/الجدة تقف معلنة حبها العظيم لله تعالى، ثم تسأله أن يسقي حفيدها، باراك أوباما، من كأس اليقين والإيمان، لأنها تعلم أن هذه الكأس وحدها هي الغنى، وهي الذخر والزاد. ما الذي تطلين يا حاجة؟ تنظر إلى السائل في يقين: أن يهدي مولاي سبحانه ولدي باراك إلى الإيمان. ما الذي يناله الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه؟ هكذا قال المسيح . ما الذي يناله باراك أوباما من الأعوام الثمانية التي قضاها إمبراطورا على العالم؟ ما الذي يتبقى له من ذلك المجد الزائل؟ ولأن سارة تحب ولدها/حفيدها باراك، وتخاف عليه من أن يُلقى في نار جهنم، كما تخشى الأم على وليدها في هذه الدنيا من أن يقذف في النار، فهي لا تملك إلا شيئا واحدا، وهي تطوف مع الطائفين، وتركع مع الراكعين، وتسجد مع الساجدين، وتقنت مع القانتين، لا تملك إلا أن تسبغ عليه من محبتها، وأن تدعو الله لفلذة كبدها (باراك) أن يهديه للإسلام، ويملأ قلبه بالإيمان، ويذيقه نداوة الحب العظيم، وأن ينقذه من أن (يصلى النار الكبرى)، فيكون من الخاسرين.

قال الحبيب : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار». ما الذي تملكه هذه المرأة العاشقة من هذه الصفات الثلاث؟ هي لم تخرج من بيتها إلا حبا لله ورسوله، هذه الأولى تحققت، والثانية أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله… هذا الحبّ الذي تحمله بين جنبيها لوليدها هو الحبّ الفطري، ولأنها تريد أن ترتقي به إلى الحبّ في الله، فهي تدعو لوليدها بالهداية في كل حين. ولأنها تكره أن تعود في الكفر كما تكره أن تقذف في النار، فإنها تدعو بقلب محترق، وعين دامعة، بأن ينقذ الله وليدها من أن يقذف في النار، إذ ما أهوله من مصير. ما الذي يجديك يا ولدي من مجد الدنيا إذا فقدت آخرتك؟ ما الذي ستذكره من متاع الحياة الدنيا إذا قالت جهنم هل من مزيد؟ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا.

.. يا للهول! هذا وقد رأتهم من مكان بعيد، فكيف إذا دخلوها وأطبقت عليهم؟ ما المخرج؟

يا سارة أوباما! كرّ السنين ومرّ الليالي لم يطفئ من قلبك نور اليقين، ورياح الزمن العاتية لم تذبل في قلبك زهرة الحبّ، فدعي هذه الزهرة المباركة في قلبك متفتحة يانعة، لا تقطعي دعاءك، ولا تمنعي عن الظمآن ماءك، فإنّ الذي تدعينه قريب مجيب الدعاء.

يلتقطها أ.د. الحسن الأمراني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>