قيمة الحياة الإنسانية في الإسلام


لم يحتفل دين بقيمة الحياة الإنسانية مثلما احتفل بها الإسلام، ولذلك جعل القرآن الكريم قتل نفس بشرية واحدة بمثابة قتل للناس جميعا؛ فقال تعالى: ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، وفي المقابل جعل إحياء نفس واحدة بمثابة إحياء للإنسانية جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، بل إن القرآن الكريم ارتقى في حفاظه على الحياة البشرية إلى حد أن جعل من حفظ النفس مقصدا من بين المقاصد الضرورية التي جاء الإسلام من أجل لضمانها وتحقيقها. ولذلك شرع الإسلام من العقوبات ما هو كفيل بالمحافظة على النفس البشرية من كل انتهاك يلحقها.
فشرع القصاص في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ، وقد ذهب العلماء في تفسير هذه الآية إلى أن القصاص يعتبر حياة للنفوس باعتبار أن القاتل إذا علم أنه يقتص منه يكف عن القتل؛ أي أن القصاص -كما أشار إلى ذلك القرطبي– إذا أقيم وتحقق الحكم فيه، ازدجر من يريد قتل آخر مخافة أن يقتص منه؛ فحييا بذلك معا. وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما؛ وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير، فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال فلهم في ذلك حياة. (الجامع لأحكام القرآن ج 2/ص256).
وإذا انتقلنا من القرآن الكريم إلى السنة النبوية، فإننا نجد الرسول في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري يقول: «إن المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»، ومن أحسن الأقوال التي وقفت عليها في هذا السياق ما نقله ابن حجر في فتح الباري عن ابن العربي أنه قال: “الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول”. (فتح الباري ج 12ص 188). ففي الحديث إشارة إلى أن المرء يصير في ضيق بسبب ذنبه، وفيه إشارة أيضا إلى استبعاد العفو عنه لاستمراره في الضيق المذكور، ولم يفت ابن حجر وهو بصدد شرحه لهذا الحديث أن يشير إلى أن بعض السلف من الصحابة كابن عمر قد ذهب إلى أنه ليس للقاتل توبة (فتح الباري 12/188) وإن كان القول الصحيح في هذه المسألة ما كان عليه عامة السلف وجمهور العلماء أن للقاتل توبة كغيره من أهل المعاصي… لأن الله تعالى يقول: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (للمزيد انظر مدونة الفقه المالكي وأدلته ج 4 ص 464-467).
وفي حديث نبوي شريف آخر جعل الرسول الإقدام على قتل النفس التي حرم الله بغير وجه حق من السبع الموبقات -أي المهلكات- التي يجب على المسلم اجتنابها.
وعلى العموم فإن الأحاديث النبوية الشريفة التي ترفع من قيمة الحياة والنفس الإنسانية وعدم الإقدام على إتلافها بدون وجه حق كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها وما ذالك إلا لأن الحياة من التصور الإسلامي تعتبر أقدس رأس مال يملكه الإنسان على الإطلاق!
وفي الأخير يمكن أن نختم بحديثين جليلين:
أما الأول فقد أخرجه النسائي وفيه يقول الرسول : «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» (النسائي الحديث رقم 3987).
وأما الحديث الثاني فقد أخرجه ابن ماجه وأسوقه هنا نقلا عن المنذري في الترغيب والترهيب وفيه: أن عبد الله ابن عمر قال رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك: ماله ودمه (الترغيب والترهيب الحديث رقم 3722.
بعد كل هذه النصوص الشرعية التي سقناها لاشك أن المتأمل في المشهد الإسلامي الراهن يأخذه العجب من هذه المفارقة العجيبة بين نصوص الوحي المؤسسة لهذا الدين والتي تقدس حرمة النفس البشرية وسلوكات بعض من يزعمون الانتماء إلى الإسلام ممن يقدمون على إتلاف الحياة بأدنى سبب أو بدون وجه حق مما يجعله يتساءل: متى يحسن المسلمون الحياة في سبيل الله…؟
محمد منديل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>