قال الله تعالى: إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم (الحجرات: 10).
يقول الطاهر ابن عاشور رحمه الله تعالى: “الجملة موقعها موقع العلة، وقد بني هذا التعليل على اعتبار حال المسلمين بعضهم مع بعض كحال الإخوة، وجيء بصيغة القصر المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة مبالغة في تقرير هذا الحكم بين المسلمين. ولما كان المتعارف بين الناس أنه إذا نشبت مشاقة بين الأخوين لزم بقية الإخوة أن يتناهضوا لإزاحتها، فكذالك شأن المسلمين إذا حدث شقاق بين طائفتين، وجب أن ينهض سائرهم، إلى أن يرقعوا ما وهى، وما أصاب ودهى” (التحرير والتنوير ج26، ص: 244).
وقال تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (المائدة: 2)، ومناسبة الآية للباب هي هجر المسلم لأخيه المسلم مدة طويلة كسفك دمه والعدوان عليه، ولهذا جاء في الباب عن أبي خراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي ويقال: السلمي الصحابي أنه سمع النبي يقول: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» (رواه أبو داود بإسناد صحيح).
قال الطيبي رحمه الله تعالى: “مهاجرة الأخ المسلم سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها، فهي شبيهة بالسفك من حيث حصول العقوبة بسببها لا أنها مثله في العقوبة، لأن القتل كبيرة شبيهة الهجران به تأكيدا في المنع عنه. وفي المشابهة يكفي المساواة في بعض الصفات” (شرح المشكاة ج 9، ص: 248).
وعن أنس قال: قال رسول الله : «لاتقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (متفق عليه).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: “تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وأن لا ينقب عن معايبه، ولا فرق في ذالك بين حاضر وغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذالك”.
«وكونوا عباد الله إخوانا» قال الطيبي: “يعني مستوون في كونهم عباد الله تعالى، وملتهم ملة واحدة فالتحاسد والتباغض والتقاطع منافية لحالكم، فالواجب عليكم أن تكونوا إخوانا متواصلين متآلفين كقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا).
وعن أبي أيوب أن رسول الله قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (متفق عليه).
ذ. عبد الحميد صدوق