مضى رمضان غير عابئ بالمتخاذلين و الكسالى الذين اتخذوا نهاره نوما وليله لهوا، مضى و ترك فينا خصالا لو اصطحبناها حتى رمضان القادم لفزنا بخير الدارين. هكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم، يطلبون الله أن يبلغهم رمضان ستة أشهر من السنة، و يطلبون منه سبحانه أن يتقبله منهم ستة أشهر الباقية. فكان رمضان يسكن جوارحهم طيلة العام. لقد تعلمنا خلال شهر القرآن كيف نلجم أنفسنا و جوارحنا عن المأكل و المشرب و الجماع، واستطاع المؤمنون أن يتحكموا في قيادة ذواتهم، فلا رفث ولا فسوق و لا جدال. لقد صارعنا الجوع فانتصرنا عليه ، و صارعنا النوم فاندحر أمام عزيمتنا. لكن السؤال: هل نحفظ عهد رمضان خلال العام، ونستمر في التعرض لهذه النفحات الربانية العبقة؟ أم ستلين جلودنا بفعل العادة فنركن إلى الدعة و الخمول و رغد العيش؟
لقد يسر لنا الحق سبحانه سبل الارتقاء في مدارج التوبة و دروب السالكين، و فتح لنا أكثر من باب للاغتراف من حسناته «من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». فإذا غلبتنا شقوة النفس ورفثنا و خدشنا صومنا، فتح لنا باب ثان «من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». قد نضعف و نتكاسل عن القيام أحيانا، غير أن هناك بابا ثالثا يفتحه رب العزة في العشر الأواخر«من أحيا ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وحتى لو تمادينا في تكاسلنا و إسرافنا، فالله لسعة رحمته بنا ينادينا بأحب رباط بيننا و بينه قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
يا الله ما أرحمك و ما أبرك، نذنب فتغفر، و نسيء فتعذر، خيرك إلينا نازل و شرنا إليك صاعد، تتودد إلينا بالمغفرة و نتبغّض إليك بالمعاصي. اللهم ارحم ضعفنا، واقبل معذرتنا، فليس لنا رب سواك …آمين
ذ: أحمد الأشهب