الرسول في رمضان (2/2)


دعاؤه عند الفطر:
روى أبو داود، والنسائي، والدارقطني وحسنه عن ابن عمر قال: «كان رسول الله إذا أفطر، قال: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى».
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس قال: كان رسول الله إذا أفطر عند أهل بيت قال: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار وتنزلت عليكم الملائكة».
كيف كان سحوره :
روى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن الحارث، عن رجل من الصحابة، والنسائي عن أبي هريرة قال: دخلت على رسول الله وهو يتسحر، فقال: «إن السحور بركة، أعطاكم الله إياها، فلا تدعوها».
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال: «أمرنا معشر الأنبياء أن نؤخر سحورنا».
وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، والشيخان، والترمذي والنسائي عن أنس عن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس بن مالك قلت كم كان قدر ما بينهما قال قدر خمسين آية».
زيادته في فعل الخير في رمضان:
روى الطبراني والبزار، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله كان إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل . وروى الإمام أحمد، ومسلم عنها، قالت: كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره .
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه القرآن، فرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة .
هذه الأحاديث العظيمة تجلي آثار القرآن والصيام في رمضان: لا شك أن آثار هذه العبادة كانت كثيرة عليه ، لكن حبر الأمة ابن عباس لاحظ نمو خلق الجود والسخاء فيه ، ذلك أن الدنيا هانت عليه في رمضان أكثر من أي شهر آخر-ولم تكن الدنيا تساوي في عيني جناح بعوضة- وتعلق قلبه بالآخرة فسعى لها سعيها.
واستفادة من حال رسول الله نقول: إن من زكت أخلاقه في رمضان؛ فجاد بالمال والعلم والصلة والوقت والجهد… في سبيل الله، فذلك المقتدي بالنبي ، ومن داوم عليها فقد هدي إلى السنة.
قيامه في شهر رمضان وتركه ذلك ظاهرا خوف فرضه على الأمة:
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله في رمضان قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة .
وروى الشيخان، وأبو داود، عنها أن رسول الله خرج في جوف الليل فصلى في المسجد، وذلك في رمضان فصلى بصلاته ناس، فأصبح الناس يذكرون ذلك، ثم صلى من المقابلة، فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج وفي رواية للشيخين: أنه خرج فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم، فلما أصبح ذكر ذلك للناس، فقال: «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل» .
وروى أبو يعلى، وابن حبان، عن جابر بن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن تصلي، فقال: «إني خشيت أو كرهت أن تكتب عليكم» .
إن الحبيب عليه الصلاة والسلام يطيق ما لا يطيق غيره، لذلك لم يصل بالصحابة “التراويح” رحمة بالأمة حتى لا تفرض عليهم، لكن أمير المؤمنين عمر جمع الناس عليه بعد أن كانوا يقومون فرادى، وعين لذلك أئمة من قراء المسلمين، فسار الناس عليها إلى اليوم.
جهاده في رمضان:
إذا كان الجهاد: جهاد النفس بِحثِّها على الطاعات، وجهاد الشيطان بإغلاق أبواب الوسوسة في وجهه ومخالفته، يتحقق بأجلى صوره في رمضان، فإن ذلك طريق موطئة لجهاد العدو، لذلك فلا عجب أن تقع أعظم الغزوات في رمضان، وهي غزوة بدر، ويقع أعظم الفتوح في رمضان وهو فتح مكة.
اعتكافه وشدة اجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر:
من منهاج رسول الله في تربيته التدرج، والنمو وعدم التقهقر، فتراه يزيد ولا ينقص، من ذلك أنه كلما تقدمت به أيام رمضان ولياليه ازداد تقربا إلى الله تعالى، فسن سنة الاعتكاف في العشر الأواخر منه، بل لما كانت السنة التي توفي فيها عليه الصلاة والسلام اعتكف عشرين ليلة. وتذكر بعض الروايات أنه اعتكف قبل فرض الصيام عليه وهو في مكة، وكان يحرص على إشراك أهله في هذا الأجر، لما يعلم من فضله، والاعتكاف تبتل وانقطاع شبه تام عن الدنيا، وتفرغ كامل لعبادة الله تعالى، وتقلل من الأكل حتى يجعل عشاءه سحورا، وتجنب تام للشهوات، وخلو للأنس بالله ، وتلاوة للقرآن وصلاة وذكر وإحسان، وعروج في مدارج السالكين إلى الله تعالى… روى الطيالسي، والحارث بسند حسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله اعتكف هو وخديجة شهرا فوافق ذلك رمضان .
وروى الجماعة عنها، قالت: كان رسول الله إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشدّ المئزر .
وروى الإمام أحمد، والشيخان عنها، قالت: كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله .
وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، عن أبي هريرة تعالى عنه قال: كان رسول الله يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما .
وروى مسلم، وابن ماجة، عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبّة تركيّة على سدّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبّة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه فقال: «إني كنت أعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» ، فاعتكف الناس معه، قال: «وإني أريتها ليلة وتر وإنّي أسجد في صبيحتها في طين وماء، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين». وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصّبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر».
لقد صام رسول الله 9 رمضانات في حياته:
1 – أول رمضان صامه ، كان في العام الثاني للهجرة، خرج في يومه 8 أو 12 إلى غزوة بدر الكبرى، ووقعت الغزوة في اليوم 17 منه، ولم يرجع إلى المدينة إلا بعد انقضائه أو قريب. هكذا ارتبط رمضان عند أول فرض الصيام فيه بالغزو والنصر.
2 – ثاني رمضان صامه بالمدينة، كانت بعده مباشرة غزوة أحد.
3 – ثالث رمضان صامه ، في العام الرابع للهجرة، خرج إلى غزوة بدر الثانية أو بدر الموعد، التي طلبها أبو سفيان يوم أحد، لكنه خاف ولم يأت، فسار الرسول إليها وظل بها أسبوعا ينتظر جيش قريش فلم يأت، فرجع المسلمون إلى المدينة.
4 – رابع رمضان صامه الحبيب بالمدينة.
5 – خامس رمضان صامه الحبيب في العام السادس للهجرة، أرسل سرية عبد الله بن رواحة إلى يثرب مستخبرا، وأرسل سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة، وهي امرأة خطيرة كانت تقاتل المسلمين وتحرض عليهم، وكانت من أعز نساء العرب، فقتلها زيد وفرق جمعها.
6 – سادس رمضان صامه ، أرسل فيه سرية عبد الله بن غالب إلى الميفعة وهي ناحية من نجد.
7 – سابع رمضان صامه ، في العام 8 للهجرة، خرج في اليوم العاشر منه إلى مكة، ووصلها في اليوم العشرين، وقد صام في بعض الطريق ثم أفطر حين اقترب من مكة وأمر أصحابه بأن يفطروا. وبقي بمكة يدبر الأمور طيلة رمضان ومطلع شوال، ثم خرج إلى حنين. وفي مقامه بمكة كسر أصنام قريش، وبعث خالد بن الوليد لهدم العزى وكانت بالطائف، كما بعث عمرو بن العاص لهدم سواع صنم هذيل، وبعث سعد بن زيد الأشهلي لهدم مناة. وهذه طواغيت الشرك حطمها الإسلام في شهر القرآن.
8 – ثامن رمضان صامه الحبيب ، في العام التاسع للهجرة، خرج قبله إلى غزوة تبوك، وأدركه رمضان في طريق عودته منصورا إلى المدينة، وفيه قدمت عليه عدة وفود مبايعة منها: وفد ثقيف ووفد ملوك حمير من اليمن.
9 – تاسع رمضان صامه الحبيب كان في العام العاشر للهجرة صامه بالمدينة النبوية، وقدمت عليه وفود أخر منها وفد غسان وبجيلة وغامد، وفيه أرسل الرسول سرية علي بن أبي طالب إلى بعض نواحي اليمن.
يتضح مما سبق أن الرسول لم يصم شهر رمضان كاملا بالمدينة إلا 5 مرات: في الأعوام الثالث والخامس والسادس والسابع والعاشر، بينما خرج فيه غازيا، أو أدركه وهو قافل من الغزو 4 مرات، وفي الأعوام التي لم يكن يزو فيها بنفسه، كان يرسل السرايا من أصحابه ، حتى لا يكاد يخلو رمضان من الغزو.
خلاصة:
رمضان موسم سنوي للاحتفال بالقرآن، يحبس المؤمن فيه شهواته الجسدية ليفسح المجال لروح البدن لتتصل بروح القرآن، فتأنس بها إذ هما معا من أمر الله، إنه موسم الأرواح وليس موسم الأشباح، والروح إذ تنفك من قيود الأرض فتزكو النفوس، يهون عليها البذل في سبيل الله.
د. يوسف العلوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>