كتاب مفهوم الغيب في القرآن والحديث قراءة في المنهج والقضايا والأبعاد 1


بيانات الكتاب:

بين يدينا كتاب للباحث الدكتور إدريس مولودي، عنوانه “مفهوم الغيب في القرآن الكريم والحديث الشريف: دراسة مصطلحية وتفسير موضوعي”، وأصله رسالة جامعية نال بها صاحبها درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، تحت إشراف الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي، الذي قدم لهذه الطبعة بتقديم تحدث فيه عن “ضرورة تجديد المنهج لتجديد الفهم”.

وقد نشره في طبعته الأولى سنة 2016 كل من مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بفاس، ودار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة في حوالي 437 صفحة.

نظرات في أهمية موضوع الكتاب:

الغيب هو أعظم مرتكزات الإيمان في الإسلام، بحيث لا يتحقق إيمان المرء حتى يكتمل إيمانه بما وراء الحجب من غيوب، ولما كان كذلك وجب معرفة مفهومه، حتى تتشكل الصورة الحقيقية عنه في أذهاننا فيتم الإيمان بالشكل الصحيح، فلا يمكن التعامل مع أي شيء من الأشياء سواء كان هذا الشيء معنويا أو ماديا إلا بعد تشكيل تصور صحيح عنه في الأذهان، ولا يمكن ذلك إلا من طريق القرآن والسنة البيان.

كما تتجلى أيضا الأهمية الكبرى لدراسة مفهوم الغيب في القرآن الكريم والحديث الشريف في كون هذه الدراسة تكشف لخليفة الله في هذه الأرض الحدود والضوابط التي ينبغي الالتزام بها وهو ينبش فيما وراء حواسه من المغيبات.

ولعل هذه القيمة لمفهوم الغيب وقضاياه هو الذي دفع الباحث إدريس مولودي إلى سبر أغوار القرآن الكريم والحديث الشريف ليكشف عن هذا المفهوم الذي “يعتبر من المصطلحات الأصول، لتعلقه الكبير بالجانب العقدي –كما سبقت الإشارة-، الذي عليه يتأسس إسلام المرء وجهة إلى الله سبحانه” (ينظر مقدمة الكتاب، ص: 25).

مضامين الكتاب:

قسم الباحث دراسته هذه إلى بابين جعل الأول لدراسة مفهوم الغيب في القرآن والحديث دراسة ترتكز على مبادئ منهج الدراسة المصطلحية ومراحله المعروفة. وجعل الثاني لدراسة قضايا الغيب في القرآن والحديث كما سيأتي الحديث عنه.

أما الباب الأول فقد قسمه الباحث إلى فصول أربعة:

جعل الأول في التعريف؛ حيث درس فيه مفهوم الغيب في اللغة والاصطلاح العام وختمه ببيان مفهوم الغيب في اصطلاح القرآن والحديث؛ فبعد دراسة وصفية ودلالية لموارد لفظ الغيب في القرآن الكريم والحديث الشريف توصل الباحث إلى صياغة تعريف لمصطلح الغيب فقال: “الغيب ما لا سبيل إلى العلم به، مما استأثر الله تعالى به، أو مما أذن بالاطلاع عليه لمن شاء من خلقه”( ص: 67)

وقد اهتم الباحث في الفصل الثاني ببيان علاقات المفهوم بغيره من المفاهيم خاصة علاقتي الائتلاف والاختلاف بين الغيب وغيره من المصطلحات.

لينتقل بعدها لبيان خصائص المصطلح من حيث موقعه ووظيفته بين المصطلحات التي تنتمي إلى نفس مجاله الدلالي في القرآن الكريم، وذلك في إطار إبراز علاقة المصطلح بأسرته المفهومية خارج النصوص التي ورد بها، من حيث مرادفات كلية لمصطلح الغيب وحصرها في (السر)، (الخبء)، و(مالا يبصره الإنسان)، ومن حيث مرادفاته الجزئية وهي كثيرة جدا (الله، الآخرة، النار، الجنة…).

وأما بخصوص الفصل الثالث من هذا القسم في البحث فقد خصصه الباحث لدراسة ضمائم المصطلح، فجعله في ثلاثة مباحث:

درس في الأول ما أضيف إلى الغيب في نصوص القرآن والحديث، وحصره في ستة مصطلحات، هي: علم الغيب، وعالم الغيب، وعلم الغيب والشهادة، وعالم غيب السماوات والأرض، وأنباء الغيب، ومفاتيح الغيب.

وأما ما أضيف إليه الغيب فقد حصره الباحث في “غيب السماوات والأرض”، ودرسه في مبحث خاص، وقد ختم الباحث هذا القسم من كتابه بفصل رابع للحديث عن مشتقات الغيب وهي: الغيوب، وغائب، وغائبة، وغائبين. أفرد كل مشتق منها بمبحث خاص بين موارده ومفهومه وعلاقاته والقضايا المتفرعة عنه.

وأما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه الباحث للحديث عن قضايا الغيب التي تثيرها نصوص المصطلح في القرآن الكريم والحديث الشريف، أو يثيرها خصوم الدين أو مؤيدوه؛ فقسمه إلى أربعة فصول:

تناول في الأول أنواع الغيب، فجعلها أقساما باعتبارات ثلاثة:

الأول: باعتبار الزمان، قسمه إلى غيب مضى، وآخر حاضر، والثالث مستقبل.

الثاني: باعتبار العالم به، قسمه إلى غيب مطلق، فعرفه بقوله: “هو ما استأثر الله بعلمه دون خلقه، سواء ما أخبر عنه، أم ما بقي في علم الغيب عنده” (ص: 257) وتمخض عن هذا التعريف تقسيم الغيب المطلق إلى غيب معلوم بطريق الوحي، وغيب مجهول عند كل المخلوقات.

الثالث اعتبار الرتبة، وينقسم الغيب بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام؛ “الله جل جلاله” وهو قمة الغيوب وأصلها، و”العوالم الغيبية”، وهو ما سبق تعريفه باسم الغيب المطلق مع استثناء الله تعالى من الجزئيات المندرجة تحت التعريف، ثم “الغيوب من عالم الشهادة”، وقد درس الباحث كل قسم من هذه الأقسام في مبحث مستقل.

ثم بعد ذلك يبحر بنا الباحث في الحديث عن الغيب بين العلم والادعاء تناول فيه مسألة اختصاص الله تعالى المطلق بعلم الغيب، فبين موارده في القرآن والسنة البيان ومقتضيات هذا الاختصاص، كما تناول أيضا تفرق الخلق إزاء الغيب بين مدع عِلْمَهُ؛ كالجن الذين ادعوا العلم بالغيب في عهد سليمان فانكشف كذبهم بموت سليمان حينما لبثوا في مزاولة ما كلفوا به من المشاق من قبله. وكذاك الذي ادعى معرفة مصيره يوم القيامة فأنزل فيه الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (مريم: 77-78). وبين مُتَبَرٍّ منه من ملائكة ورسل وأناس آمنوا بربهم وتواضعوا له سبحانه.

بالإضافة إلى ذلك تناول الباحث مسألة اطِّلاع الخلق على الغيب بإذن الله تعالى سواء كانوا ملائكة أو رسلا أو أناسا آخرين غيرهم اصطفاهم الله تعالى فأطلعهم على بعض غيبه.

وقد انتهى الباحث إلى بيان أمرين:

الأول أصناف الخلق إزاء الغيب واصطفاء الله تعالى لبعضهم وإطلاعهم على بعض غيبه،

الثاني طرق علم الغيب؛ فقسمها إلى: طرق شرعية: الوحي والدعاء، والتجلية والرؤية المباشرة، والرؤيا وتأويلها، والفراسة، والتوسم، والإلهام، والنظر والتفكر والبحث

وطرق مفتراة مثل الكهانة والعرافة، والتنجيم، والتطير، والخط في الرمل.

ثم يأتي ختام هذا الفصل بالحديث عن الولاية عند الصوفية والإمامة عند الشيعة بالقدر الذي له علاقة بعلم الغيب. فالحديث عن الصوفية انصرف إلى “الذين يقولون بأن بواسطة بعض الرياضات التي تتعلق بتجريد النفس ومجاهدتها، ككثرة الذكر والعبادة والجوع … يلهمهم الله الاطلاع على بعض المغيبات، وربطوا ذلك بالولاية والكشف والإلهام” (ص: 313).

الأمر الذي اقتضى من الباحث البحث في مفهوم الولاية والولي عند الصوفية وعلاقة الولي بعلم الغيب، وبيان مفهوم الولاية في القرآن والحديث ليخلص المراد  بولي الله هو “العالم بالله، والمحب له وفيه، والمخلص في عبادته، والمواظب على طاعته، والمجتنب لمعصيته، الذي يتولاه الله بحفظه في إيمانه وتقواه، ونصره على من عاداه” (ص: 318).

وبنفس المنهج وعلى نفس الخطوات تحدث مؤلفنا عن الإمامة عند الشيعة وعلاقتها بعلم الغيب فبين أن الإمامة عند الشيعة ترتبط في أكثر تعاريفهم لها بالعصمة وعلم الغيب من قبل الإمام.

وفي المقابل ترتبط في القرآن بمعناها العام الذي هو الاقتداء والاتباع، “سواء كان المقتدى به إنسانا يقتدى بقوله أو بفعله، أو كتابا أو كلاهما، حقا أو مبطلا” (ص: 326) وأما في الحديث فقد ارتبطت بمعناها الخاص الذي هو الخليفة أو الإمامة في الصلاة.

ثم بعد هذا أخذ في مناقشة أقوال الشيعة في الإمامة ودحضها…

وفي الفصل الثالث من هذا الباب يجول بنا الباحث في الحديث عن بعض قضايا الغيب  خاصة دفع التعارض بين الوحي والعلم التجريبي حاصلها أن الإيمان بالغيب وعدم الإطلاع عليه لا يتعارض والعلوم التجريبية التي وصل إليها الإنسان بل يتكاملان وأن الوحي يشجع على النظر والتفكر والبحث في خلق الله للوقوف على أسراره وحكمة الله من ورائه، بل إن الكشوفات العلمية لا تزيد الناس إلا تعلقا بهذا الوحي العظيم.

ثم ينهي الباحث هذا الباب بفصل جعله لبحث الحدود الفاصلة والعلاقات الواصلة بين الغيب والشهادة، وبعض القواعد العامة التي تحكم العلاقة الرابطة بين عالمي الغيب والشهادة إلى حد ما. كما تحدث عن حدود البحث في الأمور الغيبية، ومحدودية قوة العقل ليختم هذا المبحث بالوسائل التي يمكن للإنسان الاعتماد عليها لإثبات الغيب؛ الوحي، والفطرة، ووسائل الإدراك الحسية للنظر في أسرار المشاهدات.

وهكذا خلص إلى بيان ضوابط البحث في الغيبيات وهي:

لا يتجاوز العقل الإثبات إلى الحقيقة إلا بدليل وإلا زل.

مجال البحث عن الحقيقة هو الوحي بالتزام قواعد البحث فيه.

قياس الغيب على الشهادة وفق ما ورد في الوحي.

ثم يأتي المبحث الأخير للحديث عن العلاقة بين عالمي الغيب والشهادة، فأثبت بدلالة النصوص أن عالم الغيب أوسع من عالم الشهادة وأن هذا الأخير فرع عن الآخر، وأن عالم الشهادة دليل على عالم الغيب أو هو أثر له، كما أنه متفاعل معه وخاضع له وممتد نحوه.

ثم ختم هذا المبحث ببحث مسألة تحول الغيب إلى شهادة، ليأتي ختام البحث كله ببيان نتائجه الكلية في خاتمة.

الباحث: محمد أمين الخنشوفي


اترك رداً على إلياس إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “كتاب مفهوم الغيب في القرآن والحديث قراءة في المنهج والقضايا والأبعاد