من سيئات ما سمي بالربيع العربي -وكله سيئات إذ تم إعداد وصفاته خارج العالم العربي- هو فتح الباب على مصراعيه لكل أنواع المطالب الأكثر تطرفا وتحرشا بعقيدة وقيم المجتمعات الإسلامية، وهي المطالب الموجهة عن بعد كما “الربيع إياه”.
ومن يتابع الخيط الناظم لهذه المطالب يجد أنها في جلها مدعومة من لوبيات غربية، ولذلك فإن أصحاب هذه المطالب لا يستشعرون أدنى تحرج من الجهر بقناعاتهم المنحرفة، ولا غرابة فهم يستندون إلى مجموعات ضغط متوفرة وجاهزة لإثارة القلاقل بالدول الإسلامية وتحتاج إلى كائنات طائشة وإلي ذراع الأنظمة الإسلامية المستهدفة.
والطامة أن بعضا من أبناء الوطن يجهلون أن حماقاتهم تلك تكلف أوطانهم غاليا وقد تكون جنديتهم -وإن لم تكن مقصودة فالله وحده أعلم بالنيات- سببا في عودة الاستعمار إلى بلدانهم ..
وعلى سبيل الذكر فإن أولئك الذين يجاهرون بشذوذهم من الذكور ويخرجون إلى الشارع العام بكامل زينتهم النسوانية يستفزون بكل تأكيد أناسا بسطاء لا يفهمون في المساطر القانونية التي تفوض أمر محاكمة المواطنين إلى القضاء درءا لنوازع الفوضى والسيـبة، وهؤلاء البسطاء يطبقون جهلا ما يعتبرونه شرع الله بأياديهم ويقابلون تطرفا بتطرف، وتلك فوضى مجانية تقتنصها الأشباح الخارجية المتربصة بالوطن والجاهزة كما أسلفنا لالتقاط تلك النوازل المعزولة لتضخيمها وفرض أجندة “الحريات العامة” إياها بما تعنيه من تعزيز لكل أشكال الانحرافات وتطبيع معها كالدعارة العلنية والمثلية المجاهرة والإجهاض “حتى بدون إكراهات” وعلنية أكل رمضان، واللائحة مفتوحة لكل التسيبات المفتوحة التي يدفع الوطن ضريبة العصيان إن لم يتساهل معها ويمنحها بكل ممنونية جواز السفر إلى أرضه. والحال أن المطلوب هو القضاء الجذري على مسببات هذه الانحرافات لا استئصالا همجيا بل علاجا شرعيا يستحضر عظمة الله المفضية للاستحياء من المجاهرة بالمعصية، وإنسانيا بسد الطريق على الفقر والحكرة والعنف ضد المستضعفين والتأسيس لمجتمع الكرامة والتضامن كما أوصى بذلك الإسلام الرحيم لا مجتمع السيبة وإقامة شرع الله بالسيف.
والمغامرون الذين يرفضون هذه المقاربة ويختارون استيراد الحلول الخارجية يعرضون بلدانهم للمقايضة بقضاياهم المتهافتة تلك مقابل دعم اللوبيات إياها للقضايا الوطنية الكبرى للوطن وعدم التشويش عليها كقضايا الحدود وقضايا الثروات السيادية -الصحراء المغربية نموذجا-.
وأولئك السذج من أبنائنا لا يفهمون في الموازين السياسية ولعبة الأمم التي تعتبر هذه القضايا فرصا ذهبية لاستدامة الضغوط ومد الجسور إلى مقدرات الأمة للاستيلاء عليها نظير التخفيف من الضغط والتحرش بأمنها
وفي السياق فقد تم بعث الروح مرة أخرى في مطلب المجاهرة بالإفطار في رمضان، وقد هدد المطالبون بإسقاط النص القانوني رقم 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم هذا الإفطار دون عذر شرعي بتدويل هذه القضية بما يعني المطالبة بتدخل دولي في قضية سيادية تهم شأنا مغربيا خالصا، وقد سعى أفراد هذه المجموعة الهجينة في السنة الماضية إلى الاحتفال بالمثليين في منطقة سبته المحتلة وبمشاركة وفد داعم من إسبانيا وإسرائيل.
وجددت هذه المجموعة المطالبة بإقامة الدولة المدنية في تحشيد صريح للمناوئين لثوابت المغرب ومنها “إمارة المؤمنين” ودعت إلى حملة ذات بعد دولي تستمر طيلة رمضان بشعار – 200 برا..مغاربة ماشي مسلمين-.
وكل متابع لما يروج في الساحة الدولية من مؤامرات تجزيء متواصل للدول العربية، وما تجهر به قوى خفية من زعزعة محتملة في مستقبل الأيام لاستقرار المغرب، كل ذلك يجعل من هذه المطالب سيوفا مشهرة لجز رقبة المغرب لا قدر الله. وكان أجدادنا أحكم في قولتهم الشهيرة -الزلة المستورة كايغفرها الله-.
وإذا كان ما سردناه يصنف في باب الرؤية السياسية لهذه المطالب، فبالنسبة للرؤية الدينية فنستحضر فقط الآية الكريمة يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز (فاطر 15-17) ويرى مفسرون أن مناسبة هذه الآية تتعلق بإلحاح رسول الله في دعوته للكفار، وهم يحسبون أن مصدر هذا الإلحاح هو حاجة الله إلى عبادة الكفار، ولذلك وكما يرون فهو سبحانه يغلظ في العقوبة والتذكير بها، والحال أن الله سبحانه إشفاقا على العصاة لا يفتأ ينذرهم وهو الغني وهم الفقراء من السائرين في غفلتهم يعمهون.
وقد قرأت في الأيام الأخيرة سيرة أحد مثقفي ومبدعي ألمانيا الكبار الذي كان عاشقا للدين الإسلامي وهو الشاعر جوته حيث نظم شعرا عظيما في مدح المصطفى وأعلن حين بلغ السبعين من عمره أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن. وصدق سبحانه إذ قال في محكم التنزيل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وقد أضاع مغامرونا الذين لا يعلمون، افتقاد منابر السياسة السيادية للبلد لدعاة وطنيين يقظين ومحايدين، للخوف من تداعيات السياسة على الدين.. فهل من مدّكر؟.
ذة. فوزية حجبـي