مهانة احتناك


حرب حامية الوطيس نحن أبطالها نحارب فيها عدوا ما قدّرنا جسارة سوئه، ولا قوة فحشه، والأدهى أننا في كثير من جولات النزال نؤازره ونصير من جنوده ضد أنفسنا، غير مكترثين بحقيقة العداوة الأزلية بيننا وبينه، فالسهو عن عداوته في طبعنا خصيصة، وأما هو فما نسي عداوتنا ولن ينساها أو يغفل عنها، يعادينا بكل الحقد الذي كنه لأبينا يوم طرد من الجنة بسبب رفضه السجود له، بذريعة أنه خير منه لأنه خلق من نار، والنار على حد زعمه أفضل من الطين. ولكن العناية الربانية لم تتركنا دون تذكير، فقد ذكرتنا آيات عديدة بل حثتنا على اتخاذ الشيطان عدوا لا خليلا ولا مؤنسا، قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا (فاطر6). ورغم كيده فإنه لا سلطان له على أولياء الله الصالحين.
• قسم الاحتناك.
أقسم الشيطان متوعدا بني آدم بمهانة وذل الاحتناك، وقد صورت الآيات هذا المشهد من مشاهد الغيب انتصارا لنا وتنبيها إلى عزم الشيطان على إهانتنا، قال تعالى في سورة الإسراء: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا . قالها إبليس بعد طرده من الجنة آملا في الانتقام، وفي بقاء العداوة مسترسلة في ذرية آدم.
والاحتناك: وضع الراكب اللجام في حنك الفرس ليركبه ويسيره، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراد الشيطان من الإفساد والإغواء بتسيير الفرس على حسب ما يريد راكبه بوضع الرسن في فمه، وقد يؤخذ لفظ “احتنك” من احتناك الجراد الأرض، فهو إنما يأتي على الزرع بالحنك، أي يأتي على نبته. وهذا الكلام صدر من إبليس إعرابا عما في ضميره، وإنما شرط التأخير إلى يوم القيامة ليعم بإغوائه جميع ذرية آدم فلا يكون جيل آمنا من ذلك.
وذكر ابن عباس معنى قوله: “لأحتنكن: لأستولين عليهم، وقاله الفراء، وقال مجاهد لأحتوينهم، وقال ابن يزيد لأضلنهم. والمعنى متقارب؛ أي لأستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال.
ومنشأ المهانة والإذلال في الاحتناك مردها إلى أمرين:
- أولهما: السحب والجر في انصياع كأن ابن آدم مطية للركوب يلزمها رسن؛ فيقاد كالدابة بلا إرادة خدمة وطاعة لمن يمسك بزمامه، يأمره وينهاه، وما نزل هذا الدرك إلا بخروجه من زمرة عباد الله الصالحين، لأن الصالحين لا سلطان للشيطان عليهم، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَ