مصطلحات نقدية إسلامية


إذا كان النقد –بصفة عامة- يحوي عنصرين متلازمين ومترابطين لا غنى لأحدهما عن الآخر وهما: المنهج والمصطلح؛ فإن النقد الإسلامي المعاصر لا يحيد عن هذه القاعدة؛ فإذا كانت قضية المنهج في هذا النقد لم تعرف خلاصها بعد، فإن قضية المصطلحات أيضا مازالت تتأرجح بين مرجعيتين متباينتين. لهذا فإن المصطلحات النقدية تمثل الوعاء التعبيري الذي تطرح من خلاله الفكرة، وبعد بلورتها وتمخضها تقذف إلى باحة النقد لتصول وتجول بين النصوص الإبداعية.
ولكي يطعم المصطلح جسد النقد الأدبي الإسلامي، يشترط في ذلك أن يكون: البعد الإيماني والأجواء الحضارية العربية والإسلامية هي الدماء الجديدة النقية التي يجب أن تؤطر فلسفة المصطلح لحظة تشكيله، والدفع به إلى ساحة النقد الأدبي الإسلامي (1) لذلك يجب مراعاة هذه الشروط واحترامها أثناء وضع المصطلح، أو تسمية مفهوم معين؛ لأنها مسألة تتعلق بكيان أمة وثوابتها الحضارية، فالمصطلح في هذه الحالة يمكن اعتباره مرآة عاكسة لهويتها وتميزها.
وهكذا، فإن قضية المصطلح في النقد الإسلامي المعاصر لم تحظ بعناية فائقة من لدن النقاد والباحثين، على الرغم من الدور الكبير الذي يؤديه المصطلح في تأمين دراسات نقدية جادة، تتيح لنا إبراز مضامين الأثر الإبداعي المكنونة والمشمولة بالنبض الإيماني والأجواء الربانية.
وإذا تنبأ الدكتور الشاهد البوشيخي باحتمال ظهور علم المصطلح النقدي الذي يدرس الظاهرة الاصطلاحية بمسائلها ومشاكلها في مجال خاص، هو مجال النقد الأدبي (2). فإننا بدورنا نتمنى ظهور ما يمكن أن نسميه بـ علم المصطلح النقدي الإسلامي ، ومن أولوياته دراسة الظاهرة الاصطلاحية بكل مكوناتها داخل مجال غير المجال الأول، وهو: مجال النقد الأدبي الإسلامي المعاصر.
من مصطلحات النقد الإسلامية:
لا جدال في أن الأدب الإسلامي قد فرض نفسه على الساحة الأدبية إبداعا ونقدا؛ ففي ما يخص الإبداع، فقد طرق المبدعون الإسلاميون أبواب جميع الأجناس الأدبية من شعر ورواية وقصة ومسرحية وغير ذلك، مقابل ذلك سعى جمع من النقاد الإسلاميين إلى تذوق هذه النصوص الإبداعية من خلال تمريرها من مصفاة النقد: منهجا ومصطلحا.
فمن بين المصطلحات الموظفة في هذه الدراسات نجد: الرؤية الإسلامية وما يتفرع عنها ثم الواقعية الإسلامية والفردانية والتصادم وهلم جرا…
وفي ما يلي جرد ومساءلة لبعض هذه المصطلحات:
أولا: الرؤية الإسلامية:
وضع النقد الإسلامي هذا المصطلح كلبنة أساسية في العملية الإبداعية مراعيا في ذلك مصادر النقد الإسلامي، حيث إن هذا الأخير: يصدر من خلال عقيدة لها تصورها الخاص للكون والحياة والإنسان، ولابد من انعكاس هذه الرؤية العقدية على العملية الإبداعية (3).
ويقصد بهذا المصطلح داخل الفضاء النقدي الإسلامي، ما يصدر عن الأديب من مفاهيم وتصورات خلال تأمله للوجود وعلاقته بالعالم، وهذا سر شحنته الإيمانية؛ فالرؤية في عرف سعيد الوالي هي: الأساس الفكري لكل عمل أدبي.
ويتفرع عن هذا المصطلح –أي الرؤية الإسلامية- مصطلحات أخرى تتيح لنا إمكانية تذوق النصوص الإبداعية من عدة زوايا نلامس فيها قوة العقيدة ورقي الأخلاق، والتصدي للأحداث اليومية وانشغالات الأمة… ومن هذه المصطلحات:
1 – الرؤية الروحية:
تهتم بالوسائل الموصلة إلى الحقيقة الإلهية الكبرى وهي التأمل في مسائل الغيب والمآل الذي ينتظر الإنسان. إضافة إلى الكشف عن حقائق النفس بميولها المادية واستشرافاتها الروحية رغبة في التوبة والتجرد من أوزار الدنيا، كل هذا يكشف لنا عن طبيعة عقيدة الأديب شاعرا كان أم ناثرا.
2 – الرؤية الكونية:
وتعني العمل على تقديم رؤية المبدع كما تتجلى من خلال التصور الإسلامي للكون الذي يدعو إلى التأمل والتفكر في مخلوقات الله  واستخلاص العبرة منها.
3 – الرؤية الاجتماعية:
تبحث في: موقع العدالة الاجتماعية، وموازين الأخلاق في المجتمع الإنساني وموقع القيم الإسلامية سواء بالنسبة للرجل أو المرأة (4).
4 – الرؤية السياسية:
وفيها نوضح موقف المبدع من بعض القضايا السياسية، وإلى أي حد تتوافق مع المعطيات الإسلامية من جهة، وكذا توافقها مع المعطيات التراثية والإنسانية من جهة أخرى، مثل الحرية والوحدة والسلام وغيرها.
5 – الرؤية الفنية:
مجالها العناصر الفنية كالصورة والموسيقى، كما أن الرؤية في النقد الإسلامي تكشف عنها لغة جمالية تهدف إلى إثارة وجدان المتلقي وتحريك ذوقه وشعوره (5). وإذا كانت الرؤية هي: الموقف الفكري للأديب إزاء الحياة والكون والإنسان، فإن الجمالية هي الركن والأداة الفنية التي يعتمدها الأديب في التعبير عن هذه الرؤية (6).
لكن الجمالية في المجال النظري للنقد الإسلامي، لا يقصد بها البعد الفني لذاته، وإنما ترتبط بالحقيقة وتهتدي إلى الفضيلة. وهناك مصطلح آخر يؤدي هذه الوظيفة وهو مصطلح: الإسلامية الذي جاء ردا ضد التيار القائل بفنية الفن لا بإسلاميته فالإسلامية، ترفع الإنسان وتسمو به أخلاقيا وعمليا، عقلا وروحا، وتزرع فيه حب الإنسانية بصفة عامة، مع تكسير قيود الزمان والمكان والحواجز الوطنية (7). وهكذا فالإسلامية تتجاوز النزاعات الضيقة إلى آفاق أكثر اتساعا ورحابة.
ويوظف الدكتور سعيد الغزاوي أثناء تحليله لبعض روايات الكيلاني العديد من المصطلحات، مبينا أنها مستمدة من القرآن الكريم ومن بعض الدعاة والمفكرين والنقاد الإسلاميين (8) ويمكن بيانها كما يأتي:
- التساكن: ينطلق الدكتور الغزاوي في تعريفه لهذا المصطلح من مجموعة من الآيات القرآنية، مثل قول تعالى في سورة الحجرات: يا أْيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (9). فالغاية التي خلق الإنسان من أجلها، إلى جانب العبادة هي السعي إلى التعارف بين البشر، حيث يدعو الغزاوي إلى استثمار دعوة الله  إلى التساكن وتوسيع مجالها لتشمل الجماعات والمجتمعات مصداقا لقوله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (10).
- التجاور: وهو مصطلح مستمد من القرآن الكريم أيضا، إضافة إلى أنه يعمل على فتح الأعين أمام آيات الله في الكون، التي تظهر متنافرة للعين الحسيرة، ومتجاورة متساكنة للعين المؤمنة (11). مصداقا لقوله تقدست أسماؤه: وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد (12).
إضافة إلى هذين المصطلحين يوظف الغزاوي مصطلحين آخرين مناقضين لهما، وهما: الفردانية والتصادم؛ فإذا عكس كل من التساكن والتجاور الصورة المثلى للمجتمع الإسلامي، فإن الفردانية والتصادم يعكسان انصرام وشائج الأخوة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وعلاقة هذا الأخير بالكون والخالق من المنظومة الغربية؛ حيث يعيش البطل المتفرد الساخط المتمرد (13)، في سراديب الغربة والعزلة متنكرا للقيم السائدة، ومحاولا التغيير فردا أو مستسلما لقدره ومصيره أو واضعا حدا لحياته (14).
ثانيا: الواقعية الإسلامية: تعتبر من بين مميزات الأدب الإسلامي، كما أنها: خصيصة من خصائص الإسلام: في تصوره، في تشريعه، في نظرته للإنسان والحياة (15). ومن انشغالاتها تتبع القضايا الاجتماعية لسواد الأمة؛ مثل: الظلم والقهر والاضطهاد وسلب الحقوق… إلى غير ذلك.
وعلى الرغم من انتقاد الواقعية الإسلامية للواقع، فإنها تنطلق في انتقادها من التصور الإسلامي الذي يكون دائما منصفا فلا يبالغ ولا يهول، أيضا لا يتحامل بسبب المغايرة في الانتماء (16). كما أن الأمل الذي يتطلع إليه جموع المستضعفين في الوطن هو: أمل إيماني يقوم على أساس نصرة الله في كل الأحوال حياة وموتا (17).
ثالثا: الالتزام: يحكي التاريخ أن الأدب الإسلامي مارس الالتزام منذ نشأته الأولى أيام الدعوة الإسلامية من خلال ممارسات الشعراء الإبداعية، كما أن الالتزام عبارة عن التفاف للنفس والفكر حول التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان من جهة، ومن جهة أخرى فإن التزام الأديب: محكوم بمبدأ المسؤولية تجاه الفرد والمجتمع والمعتقد، وعلى هذا فسوف يسأل عن أدبه ماذا عمل به (18).
والأمر في خلاصته، يلاحظ انطلاق المصطلحات السالفة الذكر من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، فلكي يشتغل أي مصطلح داخل الفضاء النقدي الإسلامي، لا بد من أن ينهل من هذا المعين ويهتدي بهديه، وأن يذود عنه وإلا فلا خير فيه.

ذ.محمد أبحير 
—————-
1 – قراءة في المصطلح النقدي، سعيد الوالي، الأدب الإسلامي، العدد: 15، المجلد: 4، محرم، صفر، ربيع الأول 1418 هـ/ ماي، يونيو، يوليوز 1997م، ص: 89.
2 – مصطلحات النقد العربي، ص: 58
3 – قراءة في المصطلح النقدي، ص: 89.

4 – الرؤية الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل، آمال لواتي، المشكاة، المجلد: 7، العدد: 25، 1417 هـ/ 1997م، ص: 56.
5 – قراءة في المصطلح النقدي، ص: 90.
6 – نفسه، ص: 90.
7 – القصيدة الإسلامية المعاصرة في المغرب، حمداوي جميل، الأدب الإسلامي، العدد: 22، المجلد: 6،1420هـ، ص: 78.
8 – مقالات في النقد الإسلامي، ص: 106.
9 – سورة الحجرات، الآية: 13.
10 – سورة الروم، الآية: 20.
11 – مقالات في النقد الإسلامي، ص: 107.
12 – سورة الرعد، الآية: 4.
13 – مقالات في النقد الإسلامي، ص: 108.
14 – نفسه، ص: 108.
15 – في مفهوم الأدب الإسلامي وخصائصه، محمد مراح، العالم، السنة: 6، العدد: 296، السبت 14 تشرين الأول (أكتوبر)/ 13 ربيع الأول 1410 هـ، ص: 51.
16 – الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني، د حلمي محمد القاعود، الفيصل، العدد: 221، السنة: 19، ذو القعدة 1415 هـ/ أبريل 1995م، ص: 116.
17 – نفسه، ص: 116.
18 – في مفهوم الأدب الإسلامي وخصائصه، ص: 51.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>