عن أم عطية رضي الله عنها قالت: “نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا” (متفق عليه). ومعناه لم يشدد في النهي كما يشدد في المحرمات.
نهي المرأة عن اتباع الجنازة له ضوابط، قال المهلب رحمه الله تعالى: “هذا الحديث يدل على أن النهي من النبي على درجات: فيه نهي تحريم، ونهي تنزيه، ونهي كراهة، وإنما قالت أم عطية رضي الله عنها: “ولم يعزم علينا” لأنها فهمت من النبي أن ذلك النهي إنما أراد به ترك ما كانت الجاهلية تقول من الهجر وزور الكلام وقبيحه، فهي إذا تركت ذلك وبدلت منه الدعاء والترحم عليه كان خفيفا، فهذا يدل أن الأوامر تحتاج إلى معرفة تلقي الصحابة، وينظر كيف تلقوها”.
فإذا كانت المرأة قليلة الصبر وتملأ جو المقبرة بقول الهجر فهذه تحرم عليها الزيارة لما يترتب عليها من الوزر.
وكذلك إذا كان اتباع المرأة للجنازة يؤدي إلى فتنة الرجال بها فالأمر في هذا الحال يتجه إلى الكراهة، وقد كره مالك اتباع الجنازة للشابة. وقد قال الزين ابن المنير رحمه الله تعالى: ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة.
قوله: “ولم يعزم علينا” قال ابن حجر رحمه الله تعالى: “أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم”.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: “ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال الجمهور، ومال مالك إلى الجواز، ويدل على الجواز أن عمر رأى امرأة في جنازة فصاح بها فقال له النبي : «دعها يا عمر»” (رواه ابن ماجة والنسائي وقال ابن حجر رجاله ثقات).
وقال الطبري رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المراد بقولها: “ولم يعزم علينا” أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القراط ونحو ذلك.
وقد قال فريق من العلماء بجواز اتباع النساء للجنازة منهم ابن عباس، وسالم، والقاسم، والزهري، وربيعة، ورخص مالك في ذلك، وقال قد خرج النساء قديما في الجنائز.
وكره لهن ذلك ابن مسعود، وابن عمر، وعائشة، ومسروق والنخعي، والأوزاعي وقال الثوري: اتباع النساء الجنازة بدعة.
ذ. عبد الحميد صدوق