مجرد رأي – عندما تصبح اللغة خشبا


… يبدوا أن للغة الخشب مواسم ومناسبات في هذا البلد، تظهر مع كل يوم عالمي من كل عام حتى حفظناها جيلا بعد جيل من كثرة التكرار، ففي اليوم العالمي لمرض السيدا مثلا يحدثونك طيلة أسبوع كامل عن ضرورة استعمال العازل الطبي للوقاية من المرض الخطير بنفس الأسلوب الخشبي السمج وكأننا في بلد لا دين فيه ولا قيم تدعو إلى الفضيلة والابتعاد عن الزنا المسبب الرئيسي لمرض السيدا وأمراض أخرى جسدية ونفسية واجتماعية…
يحدثونك طيلة أسبوع آخر عن الترسانة القانونية لمحاربة الرشوة بنفس اللغة ولا يشيرون ولو من قبيل الاستئناس إلى تحريم الإسلام للرشوة فيما و رد عن رسول الله : «لعن الله الراشي و المرتشي والرائش بينهما» … وهكذا دواليك..
ففي كل يوم عالمي يقلقون راحتنا بنفس اللغة الخشبية وبنفس الأسلوب الممل كأي أسطوانة مشروخة أو (سيدي = CD) أذابت الشمس خطوطه فصار يعيد نفس المقاطع مرات عديدة …
قبل أسبوع أتحفتنا القناة الثانية وكعادتها كل سنة ببرنامج حواري حول المرأة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، التف المتحاورون حول طاولة مستديرة من خشب صقيل بنفس ألوان المتحاورين تقريبا … وهم نفر يتكلمون نفس اللغة الخشبية التي يتكلم بها غيرهم كلما حلت الذكرى… خشب في خشب حتى إنك تخال نفسك في معمل نجارة … تصدر المشهد دكتور يسمي نفسه عالم اجتماع وإن كان في الحقيقة عالم جنس لكثرة انشغاله بشؤون الجنس، وجميع كتاباته ومحاضراته لا تخرج عن هذا الإطار حتى إنه قال لطلبته يوما «إنه لا يجد غضاضة من ممارسة الجنس مع أخته»، ومغامراته مع طالباته معروفة للجميع ولا يتحرج من ذكرها بل والتباهي بها في كثير من حواراته … هذا الجهبذ يرى أن قضية تعنيف المرأة وإهانتها هي في الواقع من صميم ثقافتنا الدينية وموروثنا الثقافي مستشهدا بقوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)… النشوز الذي يستوجب هذه العقوبات المتصاعدة إنما هو ترفع الزوجة عن زوجها وترفعها أيضا عن فطرتها وما يقتضيه نظام الفطرة في التعامل بين الزوجين حفاظا على الألفة والمحبة والانسجام بينهما، فالله تعالى حرصا على دوام المحبة و الألفة بين الزوجين لم يرد أن يسند النشوز إلى النساء إسنادا يدل على أن من شانه أن يقع منهن فعلا، بل عبر عن ذلك بعبارة توحي إلى أن من شانه ألا يقع (واللاتي تخافون نشوزهن).
هناك خطوات قبل الوصول إلى الضرب من شأنها حل المشكل برمته لأن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على طاعة الله تعالى أولا وأخيرا. ولهذا اعتبرها الله تعالى ميثاقا غليظا والله بين كل زوجين مؤمنين حقا وهذا ما لا يفهمه كثير من الناس فيقف عند ظواهر الأشياء و(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) أما الضرب الذي يُخَوَّف به نساءُ المسلمين حسدا من عند أنفسهم لأنهم جميعا فشلوا في حياتهم الزوجية فشلا ذريعا من باب (إذا عمت هانت)…
فالإسلام كما يعلم الجميع كرم المرأة غاية التكريم ولم تعرف المرأة تكريما وعناية وتبجيلا إلا في ظل الإسلام، فالإسلام هو الذي أعاد لها إنسانيتها وحقها في الحياة ابتداء وقد كانت توأد حية أو تدفن مع زوجها إن مات أو تباع وتشترى في أسواق النخاسة أو تعرض عارية في واجهات المحلات كما يقع في العديد من بلدان الغرب في أيامنا هاته…
الإسلام كرم المرأة: وهي طفلة، تدخل أبويها الجنة. وهي شابة، تكمل دين زوجها. وهي أم توضع الجنة تحت أقدامها…
الإسلام كما لا يخفى نهى عن إهانة المرأة بله ضربها وتعنيفها، قال رسول الله : «لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم» ثم قال: «و لن يضرب خياركم» وكانت آخر وصاياه في حجة الوداع «استوصوا بالنساء خيرا»..
… أزعم أن أعظم ما ابتليت به هذه الأمة وهو ضعف التعليم الإسلامي فيها وقلة العلماء حتى صار يتكلم في الدين و يفسره كثير ممن لا تخصص له في العلوم الشرعية، وهذا ما حذر منه رسولنا الكريم صلاة ربي وسلامه عندما قال: «أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان»… ربنا لا تؤاخذنا بما فعلنا أو خطأنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ذ: عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>