… يحكى –والعهدة على الراوي- أنه كان في سالف العصور وغابر الأزمان حاكم متسلط يدعى «رع» يحكم قبيلة «مسر» القديمة بالسياط والنار بعدما انقلب على حاكمها الشرعي وعض يد الذي مدها إليه ورفعه بها درجات حتى صار قاب قوسين أو أدنى من صناع القرار وأعيان القبيلة في ديوان الحاكم… فلبس لباس التقوى والورع، يظهر الخشوع والخضوع ويبالغ في فروض الطاعة والولاء… ف«تمسكن حتى تمكن»، فضرب ضربته ونكل بولي نعمته، وألقاه في غيابات جب عميق لا يعرفه أحد ولم تمر به قافلة حتى يرسلوا واردهم لانتشاله من الجب…
بعدها جمع حوله ثلة من الكهنة يتقدمهم كبيرهم الذي علمهم السحر حتى يتوجوه حاكما جديدا وسط احتفالات لم تعرف لها القبيلة مثيلا، تعظيما وتبجيلا للمخَلِّص الذي خلص البلاد والعباد من الخطر الداهم والبلاء المستطير الذي كان يتهدد القبيلة والقبائل المجاورة لو أن الحاكم القديم بقي في الحكم ومعه عشيرته وربعه… أما الكهنة ورجال الدين الذين جيء بهم على وجوههم فلم يدخروا جهدا في تمجيده وتعظيمه فمنهم من رفعه إلى مصاف الأنبياء والرسل فشبهه بنبي الله موسى واعتبره آخر هبة من السماء نزلت على القبيلة، بينما نزل به ثالث إلى مستوى الخليفة عمر ابن الخطاب لأنه هو الآخر تبرع بنصف ماله للقبيلة (علما أنه ضاعف ماله هذا بعشرة أضعاف أياما قبل التبرع)… أما قيدوم الكهنة فأفتى صراحة بقتل المعارضين لحكم المخَلِّص بمقولته المأثورة «اضرب في المليان» وضرب الحاكم «رع» فعلا في «المليان» كل من اعترض على حكمه أو لمز أو غمز باسمه… فلما استتب له الامر، ألقى جميع معارضيه في السجون يذبح طائفة منهم، ومن لم يذبح يموت بالإهمال أو كمدا وحسرة، ومن أفلت من السجون فإما تحت الثرى أو غريبا في القبائل المجاورة خائفا يترقب…
وحدثت مجزرة تلتها محرقة مروعة في يوم مشهود كيوم أصحاب الأخدود، خرج فيه أنصار «رع» -ولذلك عرفوا من يومها بالرعاع- خرجوا عن بكرة أمهاتهم في احتفال بهيج نكاية وتشفيا في خصومهم وفرحا بحاكمهم الجديد… فعمت الأفراح حتى القبائل المجاورة فأغدقوا عليهم مما أفاء الله عليهم من «الرز» والهدايا والملابس الداخلية وحتى البطاطين الحريرية تقديرا وامتنانا للحاكم «رع» لأنه خلصهم من أفكار هدامة كانت ستُجَرِّئ عليهم العوامَّ والدهماء من رعاياهم… وتخليدا للمناسبة غنوا جميعا وبصوت رجل واحد «تسلم الأيادي»… وفي غمرة الاحتفالات خرج الحاكم «رع» في زينته على جمع من أعيان القبيلة ووجهائها وشعرائها مذكرا إياهم «انتوا نسيتوا أنكم نور عنينا ولا إيه» ومن يومها والنور ينقطع في بيوت الغلابة (طرفي النهار وزلفا من الليل) كما طمأن أهل القبيلة أو بالأحرى من بقي منهم بقوله «تتقطع أيدينا قبل أن تمسكم بسوء»…فلم تنقطع الأيادي مع أن السوء لحق الجميع حتى أصبحت حياة الناس لا تطاق حتى صارت والعدم سواء…
استفرد «رع» بالسلطات كلها والمعرفة كلها بعدما (استخف قومه فأطاعوه) فادعى أنه حكيم الحكماء وفيلسوف الفلاسفة وطبيب الأطباء… فكل من خرج عن طوعه ولو بشق كلمة، فله الويل والثبور وأوخم عواقب الأمور إذ أن الذات «الإلهية» للحاكم «رع» لا تطيق النقد أو الاعتراض فهو فوق ذلك بكثير، ولا يعزب عنه شيء، ولا راد لقراراته ولا معقب لحكمه وحكمته وتوجيهاته، حتى أنه منع عن أهل القبيلة الاستماع لغيره «ما تسمعوش كلام حد غيري اسمعوا كلامي أنا وبس»… «انتم هتعرفوا الحكومة أكثر مني؟؟». طبعا لا وألف لا… فذاك الشبل من ذاك الأسد «ولي خلف مماتش» نفس الكلام الذي قاله أحد أقوى أجداد حكام القبيلة رمسيس الثاني لقومه ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد …
ذ: عبد القادر لوكيلي