يتأسف العقل الحصيف إلى ما آل إليه وضع الأمة الإسلامية من ضعف وهوان وتمزق يزداد على مر الزمان.
ولقد دخلت الأمة خلال القرون الأخيرة حروبا من نوعين:
- حروب بينها وبين خصومها الحضاريين لافتراق النموذج الحضاري الإسلامي عن النماذج البشرية، ولقد كانت الحروب الاستعمارية العسكرية أبرز نماذج ذلك.
- وحروب بين الأبناء والإخوة الأشقاء.
ولئن كانت الأولى قد نالت من الأمة نيلا عظيما، لكنها خرجت منها عالية الهمة ومرفوعة الرأس وعزيزة النفس، أما الحروب بين أبناء الأمة فكانت أعظم ضررا وأشد خطرا وأعمق أثرا.
فماذا خسرت الأمة بسبب هذه الحروب؟
أول ما خسرته الأمة بحروب أبنائها هو بعدها عن رسالتها الإنسانية النبيلة التي كلفها الله تعالى لتبليغها للناس.
وثاني ذلك فقدها لثقتها في ذاتها وفي نموذجها الحضاري ورسالتها الإسلامية الإنسانية، حيث وقعت ضحية الغزو النفسي والحرب على الإسلام والمسلمين، ونابت عن خصومها في نهش لحوم بنيها، والإيقاع فيما بينها. وأصبحت معامل الأمة ومصانعها الإعلامية والتعليمية لا تتقن إلا لغة التخويف من الإسلام وحرمان أهله من حق إدارة الشأن العام.
وثالث ما فقده المسلمون فقدانا مريعا هو وحدتهم الجامعة جغرافيا وثقافيا، تلك الوحدة التي لا أساس للقوة المادية والمعنوية إلا بها، فما عاد المسلمون سوى أقليات داخل أوطانهم، فتقوت شوكة كل النعرات القبلية، والدعوات الحزبية، والتعصبات الطائفية. وصار ما كان من وحدة في الماضي مجرد أحلام، والدعوة إلى إحيائها كأنها جنون وأوهام واختلط الأمر هل هي حروب بين المسلمين أو حروب على دين المسلمين؟ !.
لقد خسر المسلمون كثيرا من بذور الخير فيهم، بسبب تقطيع أوصال الرحم بين بنيهم، وخسروا مصادر عديدة للقوة يوم فقدوا رأسمال الأخوة وتعمقت بينهم كل أشكال الفرقة والهوة.
لكن ماذا ربح المسلمون من حروبهم؟
ربحوا زعامات جديدة، وولاءات عديدة. وأصبح مرشحا للازدياد عدد دويلاتهم، ومنتظرا ارتفاع مؤشر أسهم نكباتهم وويلاتهم.
ربحوا ركاما من الديون، لا تؤديه الأجيال ولو لقرون، وربحوا فضاءات جديدة للحرية في اللهو والمجون، يشقى بسببها العقلاء والمصلحون.
ربحوا طاقة نفسية كبيرة لمزيد من إشعال الحروب، واستعدادا كبيرا للتنقيب عن الكروب، وتعميق جراحات القلوب.
ربحوا خزانا كبيرا من العداء للدعاة وحملة الخير والفضيلة، ووفروا رصيدا تاريخيا مهما من التبعية الذليلة، وربحوا ترويجا واسعا لكل أنواع الفجور والرذيلة.
لقد ربحوا كل ما يُردي، وخسروا كل ما يُجدي !!
يا أمة الإسلام !
الوحدةَ الوحدةَ، فهي ضمان البقاء والارتقاء؛ ولا وحدة إلا على دين الله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: 92) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المومنون : 52) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون (آل عمران : 103)
والأخوةَ الأخوةَ، فهي حزام السلامة الحقيقي للاستقرار والاستمرار: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10).
يا أمة الإسلام !;
إن أمة الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى حكماء عقلاء يجمعون ما تفرق من الأبناء، ويصلحون ما أفسدته العداوة والبغضاء، ويبعدون عنها تحكم الأعداء وغلبة الجهالة والأهواء..
وإن أمة الإسلام في حاجة ماسة اليوم وقبل الغد لإطفاء نيران الحروب، والتقريب بين القلوب، والتضامن فيما بينها من أجل التقليل من الخطوب والكروب، وزرع الفكر السليم الخصيب.
وإن أمة الإسلام اليوم لهي أشد ما تكون إلى أن تعض على رسالتها بالنواجذ، وتربي أبناءها على فقه دينهم في كليات القواعد والمقاصد، وتبليغه للأقارب والأباعد لإنقاذ البشرية من كل الآصار والأغلال والشدائد: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (آل عمران : 104).