لا يخفى على ذي بصيرة ولا على ذي عقل ونظر ما آل إليه حال المسلمين اليوم من دول وشعوب، وجماعات وأفراد، حيث تفرقت قلوب الجميع، واشتعلت نار الحروب بينهم في أغلب البقاع، وذهلوا عما يجمعهم من أصول الشريعة ومكارم الأخلاق الرفيعة التي جعلها الله تعالى لهذه الأمة بمثابة الحصون المنيعة التي من اعتصم بها عصم، ومن عمل بها سلم وغنم، ومن أعرض عنها نُكِب وقُصِم.
• ما الذي يفرق المسلمون اليوم؟
إن ما يفرق المسلمين وإن كان في العدد غير كثير فإنه في الأثر عميق وخطير، والمسلم العاقل خليق بالتوقي منه وجدير:
- فرقتهم الأهواء، وتفرقت بهم السبل في الأرجاء، فانتشرت بينهم روح التفرق والتخالف، ونسواما بينهم من موجبات التآلف، ودواعي التوافق والتحالف.
- بدد صفوفهم ما استحكم في قلوبهم؛ من حب الرياسة والزعامة، وشق عصا الطاعة والخروج عن الجماعة بين كل فينة وساعة، من غير استجماع شروط الإمامة، ولا استحضار لما في عواقب الأمور من موجبات السلامة والندامة.
- فرقت قلوبهم الثقافات الغازية والولاءات الغربية، وشتتت شعوبهم النعرات القبلية والدعوات الحزبية المغرضة، فتفرقوا “طرائق قددا” وصارت مصالحهم بددا، وهم وإن كانوا في الكثرة عددا؛ فإن عدوهم يلتهمهم فردا فردا، ويجعله بعضهم يضرب بعضا !!
- انشغلوا بالفروع والجزئيات وصغار الأمور ذات الغِلال الضئيلة، وغفلوا عن الأصول الأصيلة والكليات الجليلة، وضعفوا عن إبصار المرامي البعيدة والغايات السديدة، ورغبوا عن إقامة البناء على أسس شديدة واستشارة ذوي العقول الرشيدة.
- فرق شملهم التكاثر في الأموال والتفاخر بظواهر الأحوال، والتسابق إلى ما به يحصل التكبر والتعالي من غير اعتبار أهو من الحرام أم من الحلال،مع الذهول عما وقع في القلوب من اختلال ، وعما حل بالشعوب من اعتلال واحتلال.
• ما الذي يجمع المسلمين؟
ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم، وما يوحدهم أكثر بكثير مما يبددهم:
- يوحدهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، من استعصم بهما عصم من كل فتنة وبلاء وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (أل عمران: 101)، ومن اهتدى بهما اهتدى غاية الاهتداء قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى (البقرة: 120)، ومن أقام تعليمه على هديهما صلح ما لديه من الأبناء، ومن عمل بهما في أمور التدبير العام أفلح في جلب الخير للخاص والعام.
- توحدهم أصول الدين الجامعة والأمجاد التاريخية الرائعة.
- يوحدهم التاريخ المشترك المستقبل المشرق، ومقاصد إرضاء الله تعالى والتقرب إليه بما يرضيه.
- يوحدهم أنهم كلهم في يد عدوهم؛ لا يفرق فيهم بين أبيض وأسود، وإنما يضرب بعضهم ببعض، لينقض في النهاية على الجميع بعد أن يسلبهم ما كان لهم من العز الرفيع، ويخرجهم مما كانوا فيه من الحصن المنيع.
• ما واجب الدعاة إلى الله تعالى والعلماء ورثة الأنبياء اليوم؟
- أول ما يجب على الدعاة والغيورين من العقلاءجمع ما تفرق من كلمة المسلمين، والسعي الحثيث في إصلاح ذات البين وإزالة ما تراكم عبر التاريخ من جراح وتباريح.
- جمع الأمة على مصدر واحد للتلقي الذي هو وحي الله تعالى كتابا وسنة، وتربية الأجيال على تغذية إيمانية واحدة،وأخلاق فاضلة، وهمم عالية.
- استعمال خطاب الجمع والتوفيق لا التبديد والتفريق، وخطاب الرفق والتيسير، لا خطاب التشديد والتعسير، وخطاب التحبيب والترغيب، لا خطاب الإكراه والترهيب، خطاب يؤلف المتباعدين من الإخوة الأشقاء، ويقرب ما بعد من الخصوم والأعداء..
أيها الدعاة وحملة مشعل بعث الأمة ! إن الأمة اليوم تقف في أحلك ظلمة؛ ظلمة تفرق الأبناء وتكالب كل الخصوم وشدة وطأة الأعداء.
أيها الدعاة وحملة مشعل إحياء الأمة ! إن أمتنا اليوم تكابد غمة شديدة لا يجليها عنها إلا الاستقامة على ما واثقتم الله تعالى به من العهد والميثاق،ونبذ ما بين الأمة من الخلاف والشقاق، وتقوية أواصر الأخوة والوفاق، والتزام النصح والصلح بأسلوب الرفق والارتفاق.