ارتبطت الحضارة الإسلامية باللغة العربية، بسبب كتاب الله تعالى الذي أُنزل بلسان عربي مبين، ثم لكثرة ما ألف فيها مما يقدر بملايين العناوين، في مختلف العلوم والمعارف والفنون، وبذلك غدت العربية لغةَ أُمّة من حدود الصين الغربية إلى شمال الأندلس في أوربا. وباستخدام اللغة العربية أصبح الحرف العربي بجماليته المتميزة عنوان الزخرفة الإسلامية بمختلف أشكالها وهندستها، وما زالت هذه الزخرفة شاهدةً على هذه الحضارة في البلدان غير العربية، خاصة وأن الحرف العربي قد برهن على قدرته على التكيف مع جميع لغات الشعوب الإسلامية، بل وحتى لغات الشعوب الأخرى، كاللغة الإسبانية؛ التي كُتِبت حينا من الدهر بالحرف العربي. كما أن بعض الشعوب البعيدة عن موطن العربية ما زالت متمسكة بالحرف العربي الذي تعتبره عنوان هويتها، كما هو شأن المسلمين «الإيغور» في غرب الصين الذين ما زالوا يعتزون بالحرف العربي ويكتبون به لغتهم، ولافتاتُ المحلات التجارية وما شابهها هناك شاهدة على هذا الاعتزاز، حيث إنها لا تخطئها العين لمن يزور هذه المناطق، على عكس العديد من المناطق في البلدان العربية التي هيمن عليها الحرف اللاتيني.
هيمنة الحرف اللاتيني في بلادنا بادية في كل شيء، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبح الحرف العربي غريبا أو كالغريب فيها، حتى وإن كانت ألفاظُ اللغة المكتوبة عربيةً.
ذلك أن العديد من الشباب يلجأ إلى اعتماد الكتابة بالحرف اللاتيني، عوض العربي، وفي ذلك من المخاطر المتعلقة بالهوية ما لا يخفى؛ فالخطورة تبدأ أولا بالجانب البصريً، حيث إنه بمجرد إلقاء النظر على هذا المكتوب، ولو بشكل سطحي، يعطي انطباعا أوليا لكل ذي عينين، أن هذا المكتوب لا علاقة له بالعربية، إذ لا فرق بينه – من الناحية الشكلية – وبين اللغات التي تُكتب بالحرف اللاتيني.
ولعل الذي يدفع إلى الكتابة بهذا الحرف أمور منها:
أن كثيرا من العرب قد درجوا على استعمال هذه الأحرف اللاتينية، حيث إنه في البداية لم تكن أنظمة الحروف العربية متاحة في أجهزة الاتصالات، ولم تكن تتيح الكتابة إلا بالأحرف اللاتينية، وخصوصا في بعض البلدان كالمغرب.
سهولة استعمال الحرف اللاتيني مقابل الحرف العربي أثناء الطباعة.
ضبط الحرف اللاتيني بالصوائت: (voyelles) أيسر من ضبط الحرف العربي
بالحركات الإعرابية.
ما تتيحه الألفبائية اللاتينية من عدد الحروف في كتابة الرسالة الهاتفية الواحدة أكثر مما تتيحه الألفبائية «عربية» العربية، ومن ثم فإن الكتابة بالأحرف اللاتينية توفر مساحة أكبر.
لوحات المفاتيح بالعربية قد لا تتوفر هنا أو هناك.
وكل هذا من الأعذار الواهية التي ينبغي التغلب عليها، فالحرف العربي له جماليته وخصوصيته، ولقد برهنت الأبحاث والتجارب قدرته على مواكبة تطورات الوسائل الرقمية. ولعل مما يدل على ذلك – وكما أشرنا في مقال العدد السابق من هذا العمود – ما تشهده العربية من نمو مطرد على صفحات الشابكة (الإنترنت) بمختلف وسائلها. ولقد تضمن المقال المذكور جدولا يظهر إحصائيات دولية تدل على أن العربية تحتل المرتبة الرابعة عالميا ضمن اللغات العشر الأكثر استخداما في الشابكة، والأولى من حيث النمو خلال 15 سنة الأخيرة، متقدمةً في ذلك على العديد من اللغات العالمية الأخرى.
د. عبد الرحيم الرحموني