هو «غزو ثقافي يمتد في فراغنا» كما جاء في عنوان كتاب الداعية محمد الغزالي رحمه الله.. غزو يبلغ أقصى درجات الخواء حين يتمدد لتتخلق في هشيمه معاول هدم البيت برمته بحجة أن أعمدة البيت غير صالحة وتحتاج إلى دكها لتشييد بناء أكثر قدرة على الصمود حتى لا نقول الاندغام في البنايات الغريبة.
والهجوم الثقافي إياه يتمثل في هذا التناغم والوحدة بين أصوات الداخل ببلاد المسلمين وخارجها ببلاد الغرب، والداعية إلى حروب فكرية موازية للحروب الميدانية الوالغة في دماء المسلمين باسم القضاء على الإرهاب ولن يشفع للمسلمين حتى وإن بسطوا وجوههم لتمر فوقها أجسام الغربيين، وبدلوا لهم بكل ممنونية نساءهم للمتعة، وأبناءهم للخدمة، وأراضيهم لينهبوها، لإيقاف هذه العربة الميممة صوب المجهول.
إنها لخبطة إذن تسفر عن وجهها المعارض للدين الإسلامي الرسالي على وجه الخصوص. وقد رأينا كيف أن دعوة ملك البلاد محمد السادس حفظه الله لمراجعة مناهج تدريس مادة التربية الإسلامية في اتجاه «إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية» (كما جاء في بيان الديوان الملكي) ثم تهريبها وتحميلها ما لا تحتمل، لتنطلق موجة عارمة من النعوت القدحية لمادة التربية الإسلامية نفسها باعتبارها الجسر الذي يعبره المتطرفون للالتحاق بداعش (كما قالوا)، واعتبروا أساتذة التربية الإسلامية مجرد جاهلين وبجماجم فارغة، ويجب السعي إلى غسل أدمغتهم كما وضعوا مؤسسات دينية رسمية عريقة تحت مبضع التجريح لا التشريح فحسب، دون أن ينسوا القدح في قنوات إذاعية وتلفزية دينية بعينها وسار على هديهم البسطاء الذين أقبلوا باندفاع نزق على مواقع التواصل الاجتماعي يجرحون من خلالها الأساتذة المؤطرين لمادة التربية الإسلامية، وفي السياق انهالت السخرية على اللباس واللحي والمقررات إلخ..
تحدثوا عن:
- تفسير «أكل عليه الدهر وشرب لكتاب الله » كما زعموا.
- وعن مفسرين ظلاميين للقرآن (الفاتحة نموذجا).
- وعن سلف غير صالح في تجاوب تام مع موجة تجريحية شرقية عارمة تصدت بالهدم لأصول التشريع الإسلامي.
- واعتبروا «السنة النبوية مجهودا تاريخيا مرحليا» !
- و«الرسول خطاء كجميع البشر» !
- و«الصحابة أهل طمع وشرهٍ وسفك للدماء» !
- و«عائشة رضي الله عنها واردة للنار حتما ربانيا مقضيا..!
-وعلماء الإعجاز العلمي وعلى رأسهم الدكتور زغلول النجار مجرد مشعوذين!
- وعلماء الفقه علماء سلطان فسروا الفقه لهوى الملوك..!
- ومنهم من قال بأن العالم الإسلامي لم يعرف حضارة علمية، وأن علماءه مجرد ناقلين لعلوم اليونان! وأن مسلمي اليوم هم مجرد عالة على الحضارة الإنسانية ! وأن من حق الغرب أن يؤدب المسلمين ويعيث فيهم تشريدا !، وأن الحضارة الغربية هي النموذج الأمثل…!
- وتعدى الأمر هذه الخرجات العاقة لمسار تاريخي عملاق شهد له الغربيون بالتفوق ليصل إلى مسلمات دينية لا سبيل إلى الاجتهاد فيها كالبسملة التي طالبت أصوات بحذفها من المقررات الدراسية حتى لا تعطي انطباعا بنفس ديني يوجه الأطفال لا سمح الله إلى التدين المرادف للإرهاب؟؟ يقع هذا في بلاد المسلمين في حين تنحو الدول الغربية اللحظة إلى المزيد من العودة إلى الدين الإسلامي، وأكدت ذلك بإحصاءات دقيقة «مؤسسة مسح القيم العالمي» التي يوجد مقرها في ستوكهولم بالسويد.
وفي السياق أورد الكاتب الخليجي صقر العنزي حدث سعي قضاة أمريكيين إلى حذف عبارة: «برعاية الله» في قسم الولاء الأمريكي باعتبارها انتهاكا للفصل بين الدين والدولة وغير دستورية، إلا أن غالبية الشعب الأمريكي عارضت القرار، واعتبره سياسيون مرموقون بمثابة قرار سخيف ومجرد هراء أبطله مجلس الشيوخ، وأكثر من ذلك اجتمع مجلس النواب لإلقاء القسم إياه وغنوا جماعة مرددين «ليبارك الله أمريكا»..
إلى أين نحن ماضون؟؟
غربيون بالمئات يشهدون أن الإسلام هو دين السلام والدين الحق فيسلمون، ومسلمون يتنكرون له باسم حرية المعتقد..
وحتى نكون عمليين فرب ضارة نافعة، دعونا نقول إننا مع القائلين بمراجعة التربية الإسلامية، لكننا نقصد المراجعة الحقيقية مراجعة رد الاعتبار لها حصصا ومحتوى وقيمة لمادتها ومؤطريها.. نعم هناك تيارات انحراف سلوكي خطيرة تراوح بين انحراف ديني متطرف، وآخر انحراف لا ديني متطرف أيضا. وإنه لحان الأوان لتتبوأ التربية الإسلامية دورها المصون في استعادة الضالين من أبنائنا من كهوف داعش وخمارات باريس ببلاد المسلمين. وترسيخ قيم التسامح والاعتدال والاستقامة والأمانة والمسؤولية والمحاسبة وتزكية الأنفس على طريق العارفين السنيين، ومنهم الإمام الجنيد رحمه الله، نستعين به في الرد على من قال فيهم سبحانه وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يومنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون (الزمر: 45)، أليس الجنيد من قال «الطرق مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقه»؟
ذة. فوزية حجبـي