مازالت المرأة في بلدنا تطمح لصعود مراقي المجد والتألق، مطالبة بحقوقها بصورة حثيثة؛ تناضل وتكافح لتجلية لثام المعاناة والتهميش عنها وعن بنات جنسها، وهو نضال سام ومشروع، وقد بدأت حركة نضالها مؤمنة بأن قضيتها من القضايا المرتبطة بالنسق الاجتماعي العام تؤثر فيه وينعكس عليها، ولكن تعالت بعض الدعوات لصنع قضية للمرأة بمعزل عن قضية الرجل والأسرة والأمة، فتدحرجت المطالب من نسائية إلى نسوية، والكثير من النساء لا يدركن ما في الأمر من وأد لخصوصية الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.
وسنحاول في هذه الأسطر مقاربة الموضوع من خلال تتبع مطالبة المرأة المغربية بحقوقها مذ كانت نسائية إلى أن أضحت نسوية، كاشفين بعض ملامح الفكر النسوي وأهدافه.
وقبل الشروع في التحليل والتفصيل وجب توضيح مفهومي: النسائية والنسوية.
فالنسائية:هي الفعاليات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفكري الفلسفي، حيث لا تعدو كونها مجرد فعاليات تقوم بها المرأة للتحرر من الظلم والقهر والجهل والتخلف، تروم بها تحقيق الاستخلاف والنهوض بأمتها.
بينما النسوية «Feminism» حركة تعبر عن مضمون فلسفي وفكري؛ترفض ربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل، وتقدم تصورا عن الأشياء من خلال وجهة نظر المرأة، مناهضة هيمنة القطب الواحد على العالم، ومحاولة إصلاح ما أفسدته النزاعات الذكورية عبر قرون طويلة بمركزيتها الاستبدادية، وقطبها الواحد الذي هيمن على الحياة.
فهي حركة» تنظر إلى الأنثى خارج أي إطار اجتماعي، وكأنها كيان قائم بذاته حتى يتحسن أداء المرأة في إدارة الصراع مع الرجل».
فكيف بدأت مطالب المرأة المغربية نسائية وتحولت في بعض تجلياتها إلى النسوية؟
أول معركة ستخاض للمطالبة بحقوق المرأة سيحمل لواءها الرجل المتنور بالعلم من أجل إخراجها من أسوار الجهل والأمية،باعتبار العلم هو السلاح الوحيد للدفاع عن الذات، واستعادة الحقوق المهضومة، وقد خاضها محمد بن الحسن الحجوي لضمان حق التعليم للمرأة ولاقى صدا من قبل المعارضين، ولكنه وضح موقفه وكشف نوايا دعواه في محاضرة ألقاها بعنوان:» تعليم الفتيات لا سفور المرأة» 1934م وبعدما أدركت الحركة الوطنية أهمية ذلك أضحى تعليم البنات الذي لم يفكر فيه سالفا مطلبا لدى الوطنيين سنة 1942م. وكانوا يرون فيه ضرورة حتمية للانتصار على الفرنسيين، ومن هذا المنظور ولجت الفتيات قاعات الدرس.
ثم اتسعت حركة تعليم البنات بشكل مدهش حيث إنهن منذ سنة 1945 تجاوزن سن التمدرس الذي أقرته السلطات الوطنية، وبتصاعد وتيرة تعليم البنات أصبحت المرأة أكثر وعيا بواقعها، وبدأت تطالب بحقوقها، فظهرت الحركة النسائية بشكل عفوي في فترة الاستعمار والمقاومة المسلحة، وتركت المرأة من خلالها بصمات واضحة في كل من المقاومة الريفية والأطلسية…وبعدها ستفكر النساء المغربيات في تشكل تنظيمات للمطالبة بحقوقهن.وسينتج خطاب نسائي يعبر عن معاناة المرأة واحتياجاتها.
فظهرت جمعية أخوات الصفا 1947م التي اعتبرت نفسها امتدادا للنهضة الإصلاحية المشرقية،وعبرت عضوات الجمعية عن ذلك بقولهن: «لقد كنا ننظر إلى نهضة أخواتنا في الشرق وما نحن عليه من تأخر، فنسأل هل نحن أقل ذكاء وتربية مما عليه أخواتنا في المشرق».وقد تأسست هذه الجمعية بمدينة فاس بتاريخ: الجمعة 23 ماي 1947م كان هدفها التكتل حول حقوق المرأة، ودورها في النهوض بالبلاد، والمساهمة في تطورها، مسجلة أن المرأة في فترة الحماية كانت تعيش عيشة بدائية، وأرجعت مسؤولية هذه الوضعية إلى الجهل والخرافات والأوهام الناتجة عن انحراف المسلمين عن دينهم، وإلى العادات والتقاليد التي تحكمت في عقلية المجتمع وأوضحت أن تطور المرأة رهين بمشاركتها وعملها إلى جانب الرجل في كل الميادين. كما اعتبرت التعليم هدفا أسمى لكل امرأة. فهو خير وسيلة للتحرر والنهوض، وكانت الجمعية رافدا من روافد الحركة الوطنية التي نادت بنفس المبادئ منذ نشأتها، ومن ثم أضحت قضية السفور والحجاب واردة ضمن اهتماماتها، فهي جمعية نسوية ذات توجه سلفي إصلاحي، حيث انتقدت الجمعية التشدد في الحجاب، واعتبرت الحجاب المضروب على المرأة أحد نتائج انحراف المسلمين عن جادة الدين، «كما عزت إليه تعطيل مواهب النساء، وجعلهن كالعضو الأشل في جسم الأمة، وطالبت بالتخفيف منه، والعودة به إلى ما كان عليه في عصور الإسلام الزاهرة، جريا على ما فهمه العلماء المخلصون من نصوص الكتاب والسنة».
ومن القضايا التي شغلت الجمعية أيضا؛ طبيعة العلاقة بين الرجل المغربي والمرأة، وما تعتريها من اضطرابات «فأولتها أهمية قصوى لتصحيحها وضبطها، لذلك رفعت الجمعية ملتمسا إلى وزارة العدل، لترسيم حالات الزواج مجانا، كما ألحت الجمعية على تحديد سن الزواج بالنسبة للفتيات وهو سن السادسة عشرة، وألحت على منع تعدد الزوجات باعتباره آفة تهدد المجتمع، وتقنينه بالشروط التي اشترطها الإسلام لإباحته».
دعت المرأة إلى المساواة التي لا تتنافى مع طبائع الأشياء، وقد مثل هذا التيار الفرع النسائي لحزب الاستقلال سنة 1947م، انطلاقا من قناعاته الراسخة بدور المرأة المهم في تشكيل عقلية جديدة في المغرب، معتبرا أن «من حق المرأة أن تتساوى مع الرجل المساواة التي لا تتنافى مع طبائع الأشياء، ولذلك يمكنها أن تشارك في الصالح العام بالخدمة والفكر والإرشاد، يمكنها أن تشغل مركز العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الجماعة وفي الدولة».
وقد خاضت النساء في الفرع نضالا مستميتا من أجل فتح السلك العالي بجامعة القرويين في وجه النساء، وقد شكل هذا الحدث ثورة رمزية في حد ذاته، خاصة والأمر يتعلق بمؤسسة عريقة لتدريس العلوم الشريعة المقتصرة على الرجال فقط.
وتحققت بفضل جهودهن العديد من المكتسبات «وذلك بمحاربة الأمية وإسعاف الفقيرات واليتيمات ومعاونتهن على متابعة دروسهن وتخصيص منح لهن لكسوتهن وإطعامهن».
كما ساهمن في الرفع من مستوى الوعي الوطني، ومن مستوى مشاركة المرأة في النضال السياسي حينما أعلنت في ديسمبر إضرابا عاما «احتجاجا على اغتيال النقابي المرحوم «فرحات حشاد» وترتب على ذلك هجوم الفرنسيين عسكريين ومدنيين على العمال المغاربة في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء. وخرجت العاملة المراكشية تسهم في الكفاح وتدافع مع إخوانها عن حرية الشعب في التعبير عن عواطفه ضد الظالم والظالمين، وقد استشهدت منهن سيدات اختلط دمهن بدم المكافحين الأبطال نشدانا للاستقلال المغصوب ودفاعا عن الحرية المقدسة».
لقد حققت الحركة النسائية المغربية في هذه الفترة مكتسبات كثيرة معتمدة المرجعية الدينية الإسلامية سندا لاجتهاداتها ولدعم مشروعها، الأمر الذي جعلها في غنى عن المطالبة بالمساواة التماثلية، ومسألة النضال من أجل حقوق المرأة المستهدفة لكونها امرأة، فقد استغنت عن طرح هذه الإشكالات، عن وعي منها بكونها محسومة لصالح المرأة منذ أمد بعيد إذا تمسكت بدينها، كما عمل صدق انتماء المرأة الوطني، وكفاحها من أجل تحرير وطنها من المستعمر الغاشم، على تفجير كل طاقاتها لتتحرك بإخلاص كامل تجاه بناء المغرب الجديد.
وسيخبو وميض هذه المحفزات من خلفية الفعاليات النسوية القادمة وستتغير القناعات وآليات العمل مما سيؤثر على مسار الحركات النسوية وعلى خطابها كما سيبدو لاحقا.
الفكر النسوي: أرضيته الخصبة حداثية
ولدت النسوية في رحم الحداثة ولازمتها، بحيث تغذت من نواتها الفكرية، وحاولت الدفع بمشروعها المجتمعي والسياسي إلى غاياته القصوى (استقلالية الفرد، المساواة، التحرر من التقليد، العقل النقدي، محاربة التمييز بكل أشكاله، الحرية، الديمقراطية، المواطنة، الخ).
ولعل تتبع بدايات الفكر النسوي المغربي يكشف تأثير الدعوات الشفهية التنصيرية على المغربيات من خلال نشاط«البعثات البروتستانتية بصفة خاصة لنشر المذهب البروتستانتي وللتنصير بالمغرب… ومن أمثلته بعض المحاولات التي ظهرت في مدينة الرباط وأيضا في فاس… فنجد مثلا بالرباط كانت الراهبات تتعرضن للنساء المتوجهات إلى القبور بالعلو، وتحاولن تنصيرهن وإدخال بعض المعتقدات المسيحية إليهن. وأيضا من الأفكار التي حاول الأجانب إدخالها إلى المغرب –وقد يبدو الأمر غريبا- محاولة إدخال فكرة الحرية إلى النساء المغربيات في القرن 19، والوثائق تتحدث عن اتصال الأوروبيات بالمغربيات، وعن إفسادهن على أزواجهن بالحرية ونحوها… وجدت الناصري بدوره يتحدث عن الفكرة عن محاولة ممارسة أو إدخال فكرة الحرية إلى النساء المغربيات». وتبلورت هذه الدعاوى إلى الحرية بإصدار إدارة الحماية الفرنسية قرارات لمتابعة برامجها لإدماج الفتيات المسلمات ضمن مخططها التعليمي معتمدة التجربة المنجزة في الجزائر،وقوبلت من قبل الوطنيين بالرفض.
وفي مطلع الأربعينيات ظهر اتحاد نساء المغرب الذي أسسه الحزب الشيوعي آنذاك، وقد قام على قاعدة تصور مخالف حيث ربط تحرير المرأة وتحرير المجتمع بنشاط سياسي، وكان يعلن طابعه الخيري من خلال تحفيز النساء للانخراط في العمل الاجتماعي بخلق دور الحضانة ورياض الأطفال والمخيمات لمساعدة المحتاجين.
ثم تبلور الفكر النسوي في مرحلة لاحقة كمشروع مجتمعي وسياسي اعتمد استراتيجية تفجير تناقضات السياق التحديثي لتسريع وتيرته: تناقضات القانون المحلي/القانون الدولي، التناقضات بين القوانين المعتمدة/تطلعات الناس، تناقضات الخطاب الديني المتشدد/الخطاب الديني الإصلاحي. فتمخض كنتاج على ذلك وتحول خطاب المرأة إلى خطاب دفاعي عن حقوقها بأقلام نسائية، وذلك في تناغم مع الاتفاقيات الدوليّة والمواثيق العالميّة التي نافحت عن المرأة في إطار مناهضتها لكافة أشكال التّمييز والاستبداد المسلّط عليها
واستمد التيار النسوي الحداثي خطابه ومثله العليا من النموذج الغربي «مضفيا عليه سمة العلموية، متخذا إياه مقياسا للتخلف والتقدم، ومعلنا بذلك تبعيته اللامشروطة، فعادة ما يناقش موضوع المرأة بوصفه صراعا بين الصورة التقليدية للمرأة والصورة العصرية، أو بين (الصورة السلفية) و(الصورة المتحررة)، أو بين المرأة/ التراث، والمرأة/ الحداثة».
ويمكن أن نميز بين اتجاهين في هذا التيار:
1 – اتجاه راديكالي حداثي نسوي: وهو اتجاه يرى أن تحرير المرأة لا يتأتى إلا عن طريق:
- الحداثة القائمة على العقلانية التي تحتم القطيعة مع الفكر الديني. وتخليص القانون من المصادر الدينية بشكل مطلق، بالنظر إلى كون النصوص الدينية تكرس دونية المرأة وتفوق الرجل.
- الوعي المجتمعي المتحرر من كل ما هو مقدس. واللجوء إلى الاجتهاد الحداثي كآلية للتأثير على أسس المنظومة الدينية، وتحرير الاجتهاد من مرجعيات الفقه الأبيسية ونفي وجود نصوص قطعية الدلالة.
- التخلص من الأسرة البطريكية الواسعة ذات السلطة والتراتبية الصارمة التي تقصي النساء وتمارس الحجر عليهن، نحو الأسرة النووية المساواتية.
- تغيير القوانين الداخلية في اتجاه إقرار المساواة.ومنها علاقات النوع وإعادة توزيع السلطة في الخلية الأسرية.ومفاد هذه النظرية التي اصطلح عليها (بالجندر) أو (النوع)؛ أن النظام الأبيسي هو الذي حول الاختلاف الجنسي بين الأنثى والذكر إلى تراتب نوعي، وينبغي فك الارتباط بين البيولوجي والاجتماعي، بمعنى؛ أن الذكورة والأنوثة لا تحددان في ذاتهما موقعا اجتماعيا أدنى أو أعلى، ولا تفضيان إلى أدوار نمطية قارة للرجل وللمرأة؛ وبالتالي يمكن إحداث تغييرات في الأدوار الاجتماعية للنوعين في اتجاه المساواة. وهذه الأفكار نادت بها الأنثوية الراديكالية أو النوعية الغربية، حيث نادت بالمساواة المطلقة وسيادة علاقة النوع أو ما يسمى «Genderization of society».
- التأكيد على مطلب المساواة بين الجنسين في جميع الميادين ومن بينها المساواة في الإرث.
2 – اتجاه حداثي نسوي: يتبنى أصحابه خطابا يعتمد على حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية كمرجعية أساسية. ولكن دون رفض المرجعية الدينية، ويدعو إلى:
- إمكانية إصلاح قانون الأسرة وذلك لا يتأتى إلا من داخل الحقل الديني، وباستخدام أدواته الفكرية، ومن بينها التأويل، وهو إعادة قراءة النصوص الدينية، والأخذ بالمنهج العلمي في استنباط الأحكام، وتفسير النصوص وفق ما يقتضيه العصر، مادامت أحكام الشريعة التي نزل بها الوحي التفصيلية منها والعامة، يرتبط تطبيقها بتحقيق غايات يعبر عنها بمقاصد الشريعة.
- الاتجاه نحو الاجتهاد المطلق، والتعامل المباشر مع مصدري التشريع مع عدم التقيد بما أجمعت عليه المذاهب الفقهية السابقة، واستحداث أحكام جديدة لم تكن مطلوبة في الماضي. وأصبحت ضرورية في الواقع الاجتماعي القائم تتحقق من خلالها الاستمرارية القانونية بين الحداثة والشريعة.
إذا كانت مواقف بعض المنتمين إلى هذا التيار تطالب بالاجتهاد المطلق، فإن فريقا آخر يدافع بضراوة عن المذهب المالكي، وعن منهجيته العقلانية المبنية على المصلحة المرسلة، وعلى كونه يمثل مكسبا تاريخيا بالنسبة لجميع المغاربة.
لقد عملت الحركة النسوية الحداثية على إعادة تشكيل العقلية النسائية المغربية من خلال الدعوة إلى التحرر والمساواة، وإعادة قراءة نصوص الشرع قراءة توافق النموذج التحرري الغربي باستخدام آلية الاجتهاد الحداثي التي تعتمد على توظيف العقل.
ومن أبرز أهداف هذه القراءات
1 – تغيير النظام الأسري الذي يصنع نظاما طبقيا ذكوريا يقهر المرأة، وهذا لا يتم إلا بتقويض مفهوم الأسرة المعروف، وإحلال الأسرة الديمقراطية محلها.
2 – صياغة نظرية نسوية لتحقيق المساواة التماثلية بين الجنسين، ولا يتم ذلك إلا بخلخلة الثنائية السيكولوجية والاجتماعية التقليدية بين الذكر والأنثى، وإيجاد بديل عنها.
3 – تكريس مفهوم الضحية «Victim»، وأن المرأة ضحية لهيمنة الرجل، وهذه الهيمنة التي تبناها بوعيه فساهمت في تردي وضيعة المرأة، فالمرأة ضحية في جميع المواقف التي تجمع بينها وبينه.
4 – تبني نظرية (الجندر) أو(النوع)؛ ومفادها أن الذكورة والأنوثة لا تحددان في ذاتهما موقعا اجتماعيا أدنى أو أعلى، ولا تفضيان إلى أدوار نمطية قارة للرجل وللمرأة؛ وبالتالي يمكن إحداث تغييرات في الأدوار الاجتماعية.
ومنه أعلنت الحركة النسوية رفضها لأحكام الشريعة كالقوامة والإرث والتعدد والحجاب…الخ، ودعت إلى إعادة قراءة القرآن بهدف نقض القراءة الذكورية التقليدية التي تتقيد بالفهم الحرفي الظاهري للنص، دون اعتبار سياقاته التاريخية، لتبيين «خطأ القراءة التقليدية «الذكورية» للقرآن، وعدم مشروعية استبعاد النساء من المجالات الدينية، والعامة، ومن فضاء الديمقراطية».
وتحقيق الإنصاف للمرأة ونزع الإجحاف الذي يكتنف تأويلات القرآن دون استحضار هواجس واهتمامات العصور الماضية.
بالغت هذه القراءة للنص الديني في إخضاعه للنقد التاريخي والتحليل اللغوي،فاعتبرت النصوص الدينية (القرآن والسنة) لا تحمل تقديسا ذاتيا، فهي تكتسب سلطتها لا بذاتها، والقدسية إنما أضفاها عليها الإيمان الأرثوذكسي، ولذلك فإن نزع الرؤى الأسطورية عن الكتابات المقدسة أمر حتمي لا مفر منه.
- كما اعتبرت النص ظاهرة ثقافية اقترحت لها مناهج للتفكيك والتأويل.من منطلق أن لغة النص لا تتوقف عن توليد المعنى، وأن للقارئ زاوية نظر خاصة عند قراءة القرآن، وعلى أساس ذلك تتحول اللغة بالتأويل إلى معين لا ينضب، ويتأكد في الوقت نفسه تعذر التوصل إلى المعنى النهائي للنص، ويبقى المعنى خاضع للأهواء والقناعات المتضاربة.
خاتمة:
لقد عمدت المرأة إلى تحررها وصبت جام غضبها على النص الشرعي، ولم تستطع أن تفرق بين الموروث الثقافي والنص الديني فحملت هذا الأخير تبعات تخلفها وجهلها، وتعالت دعواتها لإعمال المناهج الغربية في الفهم وإعادة القراءة، وكان الأولى أن تتسلح بالعلم الراسخ والعقل الحصيف فتسبر أغوار النص لفهم فحواه ومغزاه، مستحضرة الغاية من وجودها استخلافا وإعمارا للأرض لتنهض بمسؤولياتها الجسام، فهي المعول عليها في تربية النشء وتسديد رأي الرجل بالتوجيه والمشورة، فتحدو حدو النساء في العهد النبوي مجددة التعاقد التلازمي الذي عقدته النساء في بيعة العقبة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان الوثاق الملزم رغبا ورهبا، المجدد للعزم، والمحدد لما لها وما عليها.
دة. رجاء عبيد