أحيانا يتعذر على الإنسان تذكر المراجع التي استقيت فكرة ما لأحد مقالاتي، نظرا لكثرة ما ماقرأت، وفي مقالي اليوم كل ما أتذكره أني قرأت مرة قصة قصيرة للقاص المصري «مجيد طوبيا» في عدد ما من مجلة «العربي» الكويتية، وإن كانت لا أتذكر عنوان الأقصوي، فإن معناها لا تزال عالقة لأزيد من عقدين من الزمن في ذاكرتي، تقول القصة أن القصة أن غرابين حطا فوق شجرة وجعلايرقبان شاحنات تنهب مخازن القمح، من أحد المراكز التي تشرف عليها وزارة الزراعة والتي تهدف إلى مساعدة الفلاحين بالصعيد المصري وتقدم البذور بأسعار مدعمة، غير أن المسؤولين على هذه المخازن فضلوا نهبها وبيعها في السوق السوداء وتقدم تقارير مزيفة لوزارة الزراعة ، المثير في هذه القصة هو الحوار الذي بين الغرابين، فقد سأل أحدهما الآخر:
هل ترى تلك الشاحنات المحملة بالقمح؟
نعم أراها…
أنا وأنت أكلناها
كيف وهي مازالت في أكياسها
أرأيت الرجل الذي يصدر الأوامر للعمال ويدون شيئا ما في مذكرته؟
نعم رأيته
أنه الآن يكتب تقريرا بأن ثلث المحصول لهذه السنة من القمح، قد أكلته الغربان، وسيطلب في تقريره المزيد من الدعم للقضاء على فصيلتنا التي عاثث في المحصول فسادا.
هذا نموذج من الفساد الذي تعرفه الكثير من دولنا التي تنقصها الحكامة الجيدة، وجب الوطن، والتي تعاقب عليها مسؤولون لاهم لهم سوى تضخيم أرصدتهم الخاصة على حساب قوت الشعب، فهناك في بلدان عربية عدة يولد المولود وفي ذمته أكثر من خمسة آلاف دولار دين، وهو الذي لم يأكل بعد حبة واحدة من خيرات الوطن، وهناك من لازال نطفة في رحم الغيب الحقيقيون، والفئران السمينة التي نهبت خيرات شاعرنا المتنبي وهو يصف حالة الفساد الذي عاشته أرض الكنانة في عهد كافور الإخشيدي:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفنى العناقيد
*مجيد طوبيا قاص مصري عرف بقصصه الهادفة في ثمانينيات القرن الماضي.
ذ: أحمد الأشهب