افتتاحية – قواصم مبيدة وعواصم مفيدة


قواصم الظهر عديدة ومراتب متفاوتة، والناس في عمى مقبلة عليها متهافتة. وكلما كانت القواصم أعم كان الأخذ بالعاصم منها أولى وأهم، وما يقصم اليوم ظهر الأمة تكاثرت أنواعه وتناسلت أشياعه وعظمت في الأمة مخاطره وقل من أبنائها من يتقيه ويحاذره، ومن ذلك:
- قاصمة الجهل بالدين: وهو أنواع ومراتب لم تجر على الأمة إلا البلايا والمصائب:
فمنه الجهل بأركان الدين وما وجب فيه من أحكام في الحلال والحرام، لا يستقيم بدونها نظام ولا تتحقق بغيرها مصالح الأنام، فاعوجت كثير من الأفهام، وحسب الناس أن ما هم عليه من الأهواء والأوهام، هو من أصول الإسلام !!
ومنه الجهل بعلله وحِكَمِه، وسوء إعمال ما بني عليه من أمهات القواعد والمقاصد، فكثر أدعياء العلم من غير أدلة ولا شواهد، وفقدت الأمة كثيرا مما لها من المصالح والفوائد وانهالت عليها المفاسد والشدائد واسْتُعدي عليها الأقارب والأباعد.
- قاصمة الطعن في الدين ومعاداة المسلمين من أبناء المسلمين؛ بسبب تسرب ألوان من التغريب التي قلبت الحقائق فجعلت القريب عدوّاَ وغريبا، والأجنبي أخا حبيبا وصديقا أريبا، فعظم أمر الطعن في ثوابت الدين والنيل من جهاز علماء المسلمين، والاستقواء على المستضعفين الذين اختاروا الإيمان برب العالمين وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (البروج: 8 – 9).
- قاصمة التفسخ الأخلاقي: جعلت الأمة أسيرة لأهواء الفساق حتى صار التباهي بالمعاصي عنوان التحرر والانعتاق، والتمسكُ بالدين والقبضُ عليه علامة التخلف والإخفاق، بل صار وصم المسلم بنعوت المروق والإباق من شتى الأبواق وشداد الآفاق…
- قاصمة التفرق والافتراق، وإيثار النزاع والشقاق، على الاجتماع والتلاقي، ففسد ما كان بين الإخوة والأبناء من الود والوفاق، وصار الكل يشتكي من الكل مما يلاقي من آلام النفاق، ومن حرارة اللقاء على موائد الفنادق ومن لؤم القلوب التي لا تفارق الخنادق وتظل ممسكة بقوة زناد البنادق !!
- قاصمة الهوان الحضاري بسبب فساد الأفكار، وضعف العمل والاعتبار بما جاء في الوحي من السنن والآثار، والذهول عن سنن الشهود الحضاري، ومعاداة ما كان من أسباب التفوق والانتشار والازدهار، بسبب كثرة الذنوب والأوزار..
فما العواصم المفيدة في جبر ضرر هذه القواصم المبيدة؟
- الأولى: فقه سنن التدافع الحضاري والاعتبار بسنن الله في الإهلاك والإنجاء، ولا سبيل إلى ذلك إلا باسترجاع مؤسسات التربية والتعليم في الأمة عافيتها واستئنافها العمل في التربية والتوجيه، وبما يصحح الواقع المريض فيما ترتضيه الأمة وتبتغيه.
- الثانية: احتضان أجيالنا والعناية بنسائنا ورجالنا قبل أن يأذن الله جل وعلا بزوالنا وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال : 25) وقبل أن يجرفهم تيار الغلو في الجحود والنكران، وتيار الرذيلة والعصيان، وقبل أن يأخذهم الغلو في الدين بلا حجة ولا برهان.
- الثالثة: توسيع الاهتمام بمصادر الإسلام علما وتعليما، عناية ورعاية، احتكاما إليها وحكما بها، لتصح الأفهام وترتفع الضلالات والأوهام، ويُدفع ما حل بجسم الأمة من العلل والأسقام، وتُحرر -بإذن الله تعالى- من قيود التبعية والانهزام وتتبوأ من الخيرية أعلى مقام يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة :11).
فما أحوجنا لجبر ما حل بالأمة من قواصم الزمان بما أنزله ربنا من الهدايات والموازين العواصم: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ( آل عمران : 103 – 106).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>