… يقول أبو التاريخ الإغريقي «هيرودوتس» : «من لم يقرأ التاريخ جيدا محكوم عليه أن يكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه»، منطوق هذه المقولة لا تنطبق علينا نحن المسلمين والعرب فقط وإنما ينطبق أيضا على الغربيين وعلى رأسهم الأمريكان بلاد الحريات ومنبع الديمقراطيات وحقوق الإنسان و…و… فأمريكا مثلا لم تستوعب تاريخها القصير جدا ولم تستخلص منه العبر والدروس، وبالتالي نجدها تكرر نفس الأخطاء التي سبق أن وقعت فيها من قبل… فمثلا عندما حدثت أول ثورة في مصر سنة 1919 ضد الانتداب البريطاني، هتف المصريون يومها بحياة سعد زغلول والرئيس الأمريكي وقتها «ويلسون» لأن ضمن المبادئ التي أعلن عنها… حق تقرير مصير الشعوب وإنهاء الانتداب والاستعمار بجميع تجلياته ومسمياته، وكانت جل الشعوب العربية والإسلامية آنذاك ترزح تحت سيطرة الاستعمار الغربي، لم تمض سوى ثلاثة أشهر على هذا الحدث حتى خرج المصريون مجددا يهتفون بسقوط الرئيس «ويلسون» لأنه غير رأيه وأقر الانتداب البريطاني على مصر فكان كالتي نقضت غزلها لأنه غلب المصالح على المبادئ فسقط في أعين المستضعفين الذين تعلقوا بالمبادئ التي كان ينادي بها… طبعا خسر الرجل شعبيته عند الأمريكان وكذلك لدى الشعوب المستعمرة التي كانت تخاله عارضا مستقبل أوديتهم…
كرر الحكام الأمريكيون نفس الخطأ مع مبارك وصدام والقذافي … وملأوا الدنيا انقسامات وصراعات وتقلبات لأن لغة المصالح دائما تنتصر على المبادئ التي يصدعون بها رؤوس العالمين ومع ذلك نصدقهم المرة تلو المرة ولا زلنا نعيد الكرة…
وليست أمريكا وحدها في هذا المسار فمعها في ذلك أغلب الدول الغربية والشرقية ومن لف لفّها وسار سيرها من شيوخ الاستبداد وقهر العباد في أوطاننا، ولعل أوضح مثال على هذا الكلام ما نشاهده من اصطفاف كل هذه الدول ضد تلك الإشراقة البسيطة من الحريات والأمل التي تجلت في سماء الاستبداد في العديد من الدول العربية والاسلامية بعد الربيع العربي … فكلهم قاموا قومة رجل واحد لإخماد تلك الإشراقة رغم ضعفها والتي جاءت بمزقة ديموقراطية وقليل من الحريات التي كانوا هم أنفسهم يطالبون ويبشرون بها ليلا ونهارا وسرا وجهارا … فكان مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون .
تواطؤوا على إطفاء جذوتها لأن مصالحهم أصبحت مهددة فالذين كانوا يرعون لهم هذه المصالح ويأتمرون بأوامرهم من المستبدين الجاثمين على صدور العباد قد طوحت بهم شعوبهم في أقرب مزبلة للتاريخ وجاءت عوضا عنهم بشرفاء خبروهم ووثقوا فيهم عبر انتخابات نزيهة شهد بها العالم وجميع المنظمات الحقوقية ومع ذلك انزعج الغرب وأدار لهم ظهر المجن وسلط عليهم ثورات مضادة بدعم من بعض الأنظمة الفاسدة أدخلت شعوب المنطقة في فوضى عارمة أو قل «خلاقة» تماما كما بشرت بها «كوندليسا رايس» وزيرة خارجية أمريكا أيام «بوش»… وها هي الحكومة الأمريكية تدعم الانقلاب في مصر مع أن الدستور الأمريكي ينص صراحة على التوقف عن دعم أي انقلاب على الشرعية في أي بلد في العالم ..وهي تعرف جيدا أن العسكر في مصر انقلبوا على أول رئيس مدني جاءت به صناديق اقتراع شهد الجميع بنزاهته منذ الملك الفرعوني «خوفو»… ومع ذلك لا زالوا يمدونه ويساعدونه بالرغم من كل المجازر التي ارتكبوها ضد أنصار الشرعية في «مصطفى محمود» وفي «النهضة« و»رابعة» وجل شوارع وجامعات مصر … وما يستتبع ذلك من اغتصاب الحرائر في أقبية السجون ومخافر الشرطة والقتل البطيء والمقصود لخيرة شباب مصر وعلمائها ناهيك عن حرق جثث الشهداء الذين سقطوا في المجازر الآنفة الذكر… بعدما اختطفوا الرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي وغيبوا آلاف الشباب والمفكرين والعلماء وراء الشمس…
أما في سوريا فيغمضون عيونهم عن كل المجازر البشعة التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب السوري الأبي يوميا، فقرى بكاملها تهدم على رؤوس سكانها بواسطة البراميل المتفجرة والأسلحة المحظورة دوليا … ومن لم يمت في بيته يمت غرقا في البحر أو كمدا من إملاق وفقر في بلاد المهجر ومخيمات اللاجئين … هذا إذا نجوا من مليشيات إيران و»حزب الله» اللبناني أو قناصة جهات مشبوهة … كل ذلك وأعين الغرب مفتحة لكنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم أخرستها لغة المصالح على حساب المبادئ ومع ذلك لا تزال طائفة من أبناء جلدتنا يثقون ويروجون لهذه المبادئ وهم يشاهدونها تداس يوميا أمام صولة المصالح … فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض صدق الله العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ذ: عبد القادر لوكيلي