حقوق الطفل من خلال مقررات التربية الإسلامية السنة الثانية من سلك البكالوريا نموذجا، دراسة وتأصيلا 7 / 7


8 ـ الحق في النسب(1): أولى الإسلام للنسب أهمية كبرى، وعناية فائقة، وشرع تشريعات لحفظه وصونه من الاختلاط، وعدم التلاعب به، لذلك حرم الزنى، فقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (2)وفرض الزواج، ودعا إليه ورغب فيه فقال رسو الله : «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(3)، وأضاف كل ما يترتب عن ذلك الزواج من الولد إلى صاحبه، بقوله : «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ»(4)، وشرع العدة، ونهى النساء عن كتمان ما في أرحامهن ذرءا لاختلاط الأنساب، قال تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (5)، وقال : وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر (6)، كما حرم على الأب أن ينكر نسب ابنه، وإلى جانب ذلك أبطل الإسلام التبني، فقال تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (7).
جاء في مدونة الأسرة: النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف. ويثبت النسب بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي. و أسباب لحوق النسب ثلاثة: الفراش؛ والإقرار، والشبهة(8).
9 – حق النفقة(9): من حقوق الطفل حق النفقة عليه، وهي واجبة على أبيه، قال صاحب المغني: “ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم”، والأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقول الله تَعَالَى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (10). أَوْجَبَ أَجْرَ رَضَاعِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (11).
وَمِنْ السُّنَّةِ ما روت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ؟ قَالَ: «خُذِي بِالْمَعْرُوفِ»(12).
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: ..أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ(13).
وقال في الرسالة: من النفقة التي تلزم الرجل النفقة على صغار ولده الذين لا مال لهم، على الذكور حتى يحتلموا، ولا زمانة بهم، وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن..(14)
والحق في النفقة قررته المدونة في بعض موادها جاء فيها: النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين وعلى الأبوين لأولادهما طبقا لأحكام هذه المدونة. وتستمر نفقة الأب على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته.
وفي كل الأحوال لا تسقط نفقة البنت إلا بتوفرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها.
ويستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب(15).
وقد رتب الإسلام على ذلك أجرا وجزاء بحسب قدر النفقة، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ»(16)، ونفقة الرجل على ولده وإن كانت واجبة ، فهي له صدقة، قال رسول الله : «إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ أَكْلَ امْرَأَتِكَ مِنْ طَعَامِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى أَهْلِكَ صَدَقَةٌ»(17). بل إن الساعي على اولاده الصغار يعد في سبيل الله، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَظَلَعَتْ(18) نَاقَةٌ لَهُ فَأَقَامَ عَلَيْهَا سَبْعًا فَمَرَّ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ شَابٌّ شَدِيدٌ قَوِيٌّ يَرْعَى غُنَيْمَةً لَهُ فَقَالُوا: لَوْ كَانَ شَبَابُ هَذَا وَشِدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ كَبِيرَيْنِ لَهُ لِيُغْنِيَهُمَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى صِبْيَانٍ لَهُ صِغَارٍ لِيُغْنِيَهُمْ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا وَيُكَافِي النَّاسَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى رِيَاءً وَسُمْعَةً فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ»(19). فالسعي على الأولاد بمثابة الجهاد في سبيل الله.
وفي ذيل هذه الدراسة التي كانت محاولة إظهار الجانب الشرعي في ما يتعلق ببعض حقوق الطفل، لأن هناك من ينحو بهذه الحقوق اتجاها آخر، نجد أن الإسلام عني بالطفل وأعطاه حقوقه بنوع من الاعتلال والوسطية والعدل، في مقابل القوانين الوضعية البشرية الأخرى، شرقية كانت أو غربية، فإنها لا تكاد تخلو من الإفراط أو التفريط، وذلك أيضا دلالة على شمولية الإسلام وأحكامه لكل مراحل عمر الإنسان، من صرخة الاستهلال إلى أنين الاحتضار، بل قبل ذلك وبعده، ثم إن الطفل المسلم لا ينبغي أن يكون صورة مطابقة للطفل الغربي غير المسلم، ولا أن تعمم مشاكل الغرب على أطفال المسلمين، لأن الإسلام دين صحيح وكامل وشامل ورباني ومحفوظ. والنجاة والصواب والحل هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله .
ذ. لحسن وعكي
————-
1 – انظر في رحاب التربية الإسلامية: 146. منار التربية الإسلامية: 142.
2 – الإسراء : 32.
3 – رقم : 5065، كتاب النكاح، باب قول النبي استطاع منكم الباءة فليتزوج…، صحيح البخاري: 7/ 3.
4 – رقم : 6749 ،كتاب الفرائض،باب الولد للفراش، حرة كانت أو أمة. صحيح البخاري:8/ 154.
5 – الطلاق:4.
6 – البقرة : 228.
7 – الأحزاب: 4، 5.
8 – انظر مدونة الأسرة المغربية: المادة: 150، 151، 152.
9 – في حاب التربية الإسلامية: 146.
10 – الطلاق: 6.
11 – البقرة: 233 .
12 – الحديث 5370 صحيح البخاري، كتاب النفقات، بَابُ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ (البقرة: 233) وَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ : 7/ 66.
13 – انظر المغني لابن قدامة : 8/ 211.
14 – انظر الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، 1416 هـ – 1996م، بدون طبعة، دار الفكر، بيروت- لبنان: 323.
15 – مدونة الأسرة المغربية، المادة : 197 ، 198.
16 – الحديث 5369، صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب وَعَلَى الوَارِثِ مِثْل ُذَلِكَ (البقرة: 233) وَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، صحيح البخاري:7/ 66.
17 – النفقة على العيال لابن أبي الدنيا : 1/ 148. انظر المرجع نفسه : 1/ 151.
18 – الظَّلْعُ: كالغَمْزِ. ظَلَعَ الرجل ُوالدابةُ فِي مَشْيِه يَظْلَعُ ظَلْعاً: عَرَجَ وغمزَ فِي مَشْيِه؛ قَالَ مُدْرِكُ بْنُ مِحْصَنٍ:
رَغا صاحِبي بَعْدَ البُكاءِ، كَمَا رَغَتْ
مُوَشَّمَةُ الأَطْرافِ رَخْصٌ عَرِينُها
مِنَ الملْحِ لَا تَدْرِي أَرِجْلٌ شِمالُها
بِهَا الظَّلْعُ، لَمَّا هَرْوَلَتْ، أَمْ يَمِينُها
لسان العرب الإمام العلامة ابن منظور، 1423 هـ – 2003 م، بدون طبعة، دار الحديث، القاهرة، مادة: (ظ ل ع) : 6/16.