تقديم:
في الحلقات الثلاث السابقة تناول الكاتب الفاضل حقوق الطفل في مقرر التربية الإسلامية بسلك الباكلوريا وذكر من ذلك: الحق في الأبوة الصالحة والأمومة الصالحة، والحق في الحياة، والحق في الإرث، والحق في التمتع بصحة جيدة، وفي هذه الحلقة يواصل الحديث عن حقوق أخرى مبينا دلالاتها وحضورها في المقرر.
5 – حق الحضانة: “الحضانة حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه…”. وهي من واجبات الأبوين، ما دامت علاقة الزوجية قائمة.
فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل، فالأم أحق به من الأب، ما لم يقم بالأم مانع يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره.
وسبب تقديم الأم أن لها ولاية الحضانة والرضاع، لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها، ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل، وعندها من الوقت ما ليس عنده، لهذا قدمت الأم رعاية لمصلحة الطفل.
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي».
وللحضانة شروط :
1 – العقل: فلا حضانة لمعتوه، ولا مجنون، وكلاهما لا يستطيع القيام بتدبير نفسه، فلا يفوض له أمر تدبير غيره، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كما يقال.
2 – البلوغ: لأن الصغير ولو كان مميزا في حاجة إلى من يتولى أمره ويحضنه، فلا يتولى هو أمر غيره.
3 - القدرة على التربية: فلا حضانة لكفيفة، أو ضعيفة البصر، ولا لمريضة مرضا معديا، أو مرضا يعجزها عن القيام بشئونه، ولا لمتقدمة في السن تقدما يحوجها إلى رعاية غيرها لها. ولا لمهملة لشؤون بيتها كثيرة المغادرة له، بحيث يخشى من هذا الإهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به. أو لقاطنة مع مريض مرضا معديا، أو مع من يبغض الطفل، ولو كان قريبا له، حيث لا تتوافر له الرعاية الكافية، ولا الجو الصالح.
4 - الأمانة والخلق: لان الفاسقة غير مأمونة على الصغير ولا يوثق بها في أداء واجب الحضانة، وربما نشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها، وقد ناقش ابن القيم هذا الشرط فقال: ” مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعا وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي رحمهما الله وغيرهم. واشتراطها في غاية البعد.
ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الأمة، واشتد العنت ولم يزل من حين قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم، لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم هم الأكثرين، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه، وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار على خلافه بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح، فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق، ولم يزل الفسق في الناس”. ولم يمنع النبي [ ولا أحد من الصحابة فاسقا في تربية ابنه وحضانته له، ولا من تزويجه موليته.
والعادة شاهدة بأن الرجل لو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها. ويحرص على الخير لها بجهده وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد. والشارع يكتفي في ذلك على الباعث الطبيعي. ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للامة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به.
5– الإسلام: فلا تثبت الحضانة للحاضنة الكافرة للصغير المسلم، لان الحضانة ولاية، ولم يجعل الله ولاية للكافر، على المؤمن {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فهي كولاية الزواج والمال، ولأنه يخشى على دينه من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها، وتربيته على هذا الدين، ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل ففي الحديث: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ»، وذهب الأحناف وابن القاسم من المالكية وأبو ثور إلى أن الحضانة تثبت للحاضنة مع كفرها وإسلام الولد لان الحضانة لا تتجاوز رضاع الطفل وخدمته، وكلاهما يجوز من الكافرة .
وهذه الشروط، شروط الحضانة المتقدمة توضح بجلاء وبما لا مجال فيه للشك حقوق الطفل، وحمايتها، وسد كل الثغرات التي قد يؤتى مهنا الطفل، وتحدد الظروف المناسبة والملائمة للطفل وتراعي خصوصياته وانتمائه وحماية ذلك، مما يدل على أن هذا الدين من عند الله سبحانه وتعالى.
د. لحسن وعكي
————–
ـ منار التربية الإسلامية: 140، في رحاب التربية الإسلامية: 146.
ـ مدونة الأسرة، المادة : 163.
ـ مدونة الأسرة ، المادة : 164.
ـ الوعاء: الإناء.
ـ الحجر: الحضن، وحواء: أي يحويه ويحيط به، والسقاء: وعاء الشرب.
ـ فقه السنة : 2/ 339.
ـ النساء:141.
ـ الحديث رقم: 1385 ، صحيح البخاري : 2/ 100.
ـ انظر فقه السنة : 2/ 341. انظر شروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها، المادة :173 من مدونة الأسرة.