ظاهرة اللجوء أزمة العالم المتحضر وسماحة الدين الكامل (1)


حين يسود العدل بين المجتمعات، وتُحتَرم المواثيق والمعاهدات، يعيش الناس في أمن واستقرار، ولكن حين يختل ميزان العدل، ويحل محلّه منطق القوة والغلَبة، يعم الصراع بين الأفراد والمجتمعات، وساعتها تطفو على سطح المجتمع الإنساني ظواهر تختزل معاناة الإنسانية، في عالم هو أشبه بالغابة التي يحكمها منطق الغلبة للأقوى. إن الصراع القائم اليوم بين أنظمة مستبدة، وبين شعوبها المطالِبة بالحرية والحقِّ في الاختيار قد أفرز ظواهر إنسانية خطيرة، حيث لم يعد الإنسان يأمن على نفسه وأهله، ولم يعد له خيار سوى أن يختار بين الحياة والموت، وإن الذين اختاروا الحياة لم يكن لهم من خيار سوى أن يهاجروا بأنفسهم وأبنائهم خوفا من آلة القتل والإبادة التي لا تميز بين البشر والشجر والحجر، ولهذا ظهرت اليوم -أكثر من أي وقت مضى- مشكلةٌ إنسانية حادة، تختصرها أعداد اللاجئين التي هالها فظاعةُ القتل والتدمير فلم تعد تفكر في أسلوب للنجاة من الهلاك إلا الفرار من أرضها وهجرة بلادها، واللجوء إلى بلاد أخرى آمنة، ولو أدى الأمر إلى ركوب الأمواج والمغامرة بالنفس وبالأبناء للنجاة. مشكلة الهجرة أو اللجوء بالمصطلح المعاصر، شهادةُ إدانة للمجتمع الدولي الحقوقي والقانوني، وحجةٌ على المجتمع الإنساني أمام الظاهرة التي يترجمها هذا السيل الجرار من اللاجئين، التي يمثل المسلمون أعلى نسبها ، وما وجود اللاجئين السوريين بين أظهرنا، ومشتتين في بقاع العالم، إلا عينةٌ من عيِّنات الجحود الإنساني الذي فقد الآدمية والإحساس النبيل بقيمة التعايش الإنساني التي تنبذ التمييز العرقي أو الجنسي أو الديني.
أين نضع ظاهرة اللجوء في الشريعة السمحة، التي أحاطت بكل المشكلات الإنسانية؟
ولو تخلص هذا المجتمع الإنساني العلماني المتحضر من حساسية العداء والتوجس، وأتاح لنفسه فرصة جديدة في التعامل مع الآخر المخالف لمرجعياته غير الدينية وثقافته المادية، لوجد إجابات كافية ومراهم شافية، لمعضلات البشرية التي تئن بسبب تعدد معايير المجتمع الغربي في التعامل مع قضايا الإنسان المعاصر، ومنها قضية اللاجئين. وإلا كيف نفسر هذه الحمم التي تطلق على شعب بريء،هذه الدولة المستكبرة التي تخضع وسائل الدمار لحقل التجارب، على شعب أعزل في سوريا؟ والعالم «المتحضر» ينظر إلى هذا الإجرام الدولي الذي يسكت عليه من جنّدوا أنفسهم لحماية حق الإنسان من الانتهاك؟ ثم يتحدث هذا العالم عن مشكلة اللاجئين؟ من الذي تسبّب في هذه المشكلة؟ أليس هذا الإنسان المهووس بجنون العظمة؟ أليس منطق القوة ولا شيء غيره؟ أليس منطق المصالح الذي يعتبر هاجس الهواجس للتحكم في الجغرافيا والثروة، والتمكين للكيان المصطنع المغروس في جسد الأمة؟
(يتبع…)

د. كمال الدين رحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>