يشعر بغربة كليهما عن الآخر.. زيارات قصيرة تعمق الجرح.. تباعد بينهما… يحن إليه وهو الماثل أمامه.. يربت عليه.. تزداد الهوة بينهما عمقا واتساعا..
يدس في يده رزمة نقود.. يردها إليه بيد رسم عليها الزمن خيوطه:
- الله يرضى عنك يا ابني الحبيب…لست محتاجا إليه!
ضغط على كفه وهو يزفر.. لم تسعفه شفتاه أن يقول له: «أنا محتاج إليك وحدك.. ابني بلا قناع كما كنت من قبل.. »
كم يكره بداخله هذا المال الذي فرّق بينهما…
الأب الشيخ يكد في سيارة أجرة.. ولا يحلو له العيش إلا بعرقه.. والابن خطفه زواجه من سليلة أثرياء إلى عالم المال والثراء..
ينظر في عينيه.. يتساءل: أهذا الذي قطعة مني؟!
تزداد الهوة اتساعا بينهما…
يقترب من حفيديه.. يهرب منه حفيده الأصغر باكيا..
يحضن حفيدته.. ترطن بلغة كان يلعنها أيام الاحتلال حين كان يحمل السلاح…
يتدخل ابنه لترجمة الحوار بين الجد وحفيدته…
يرتمي الحفيدان في حضن المربية الأسيوية.. تحضر أمهما .. تنظر إلى ابنه.. يرطنون جميعا بالفرنسية… تنظر إلى ساعتها وتقول له بابتسامة باردة: انتهى وقت الزيارة.. لدينا أشغال كثيرة…!
تتحداه دمعة تنساب على خده.. يتنهد: «اشتقت لابني.. أتمنى أن أحضنه بقوة.. وأن أحضن حفيدَيّ» !
تستبد به الغربة.. يجتر الخطى وهو يتساءل: «أحقا هذا هو ابني» ؟!
ذة. نبيلة عزوزي