ونحن في لقاء طفت أشجانه على أجوائه حكت إحدى الأخوات عن معركة دامية دارت رحاها بين أختين وعائلتيهما حيث احتقنت الرؤوس فقطعت أصابع وشقت رؤوس وفارت دماء واستعان الآباء بالأبناء والأمهات بالبنات وانخرطوا في تصفية وإعاقة بعضهم البعض وسط هلع المتابعين لفيلم رعب بلطجي عز نظيره ..
إن أحوالا كهذه بوحشيتها لا يكاد يسلم منها يوم من أيام الله حتى ليتساءل المرء عن أركان الإسلام إن كانت لازالت حية في القلوب أم أمست من معالم أيام خلت؟
هي بلا شك صنابير غرائز جاهلية طمرها الإسلام وهناك من أعداء الأمة من اشتغل بهمة وذكاء ليجعل أركان الإسلام هذه مجرد طقوس ترافقها فورات شقاق لا تنتهي تتناسل وتوفر شروط الإختراق الخارجي لجسد غدا أشبه بالجسد الفاقد تماما للمناعة وحس المقاومة. وإذا كانت كل العدسات والأقلام استنفرت أو استفزت لفك شفرة حركة إرهابية مشبوهة تدعى فرية ب “الدولة الإسلامية” وانتصب السؤال من أين أتت هذه الجائحة الدغلية المتوحشة فالجواب من منطلق السنن الربانية هو أن تجبرهذا الكيان ما هو إلا خلاصة غضب إلهي تخلقت كل أسبابه في رحم أنفس المسلمين فسرى الوباء بكل سلاسة في الجسد المهين، فعن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله فقال : «يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة قط في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»(رواه ابن ماجه). وغير بعيد عن هذا السياق لنتوقف أمام سورة الفتح وآية محمد رسول الله والذين معه .. الآية التي تمدنا بمفاتيح الفئة المنصورة الغائبة في زمننا هذا فهي بنيان مرصوص خياراته واضحة بين ولاء وبراء يشد بعضه بعضا بمشاعر الرحمة المتبادلة الناجمة عن خلوة ممتدة مع الله سبحانه والعبيد نيام بين ركوع وسجود تنبجس آثاره في وجوهم وفي أجسادهم الراسخة الجذور المستقيمة الجذع.. فهل هذه هي الصفات التي تطالعنا لمواجهة أعداء أذكياء يوقدون عداوة الإخوان ويزينون لهم معارضاتهم لتستغرقهم لعبة التصفيات في فضاءات من اللخبطة لا تتيح معرفة الحق والباطل في الوقت الذي تحمل فيه أخبار العالم صور نساء المسلمين الغارقات بين الوحل والموج والأسلاك والغلمان النزقون لاهون باللعب بالسلاح عن استهوان العرض والشرف المستباح.
أذكر أني في لقاء ديني موقر ونقاش هم ملامح الهزيمة السادرة من خلال واقع البيوت والأسر الإسلامية طرحت سؤالا مازالت تداعياته تؤرقني ويتعلق بواقع هذه البيوت المبنية على الاستضعاف حد الإفراط في القسوة في التعامل مع المرأة مع تنكر تام لسيرة رسول الله في الرفق بنسائه والحرص على مساعدتهن لتوفير أجواء مودة ورحمة من شأنها أن تدفعهن للمساهمة في تخريج الجيل الرسالي.. واستحث عالم جليل قلمي للإدلاء برأيي في هذه الإختلالات الأسرية الحالقة فهل أمامنا إلا محجة المصطفى في سبكه للشخصية النسائية المتوازنة العاملة لدينها كما لبيتها من خلال إغداقه على نسائه حبا وتكريما وإحسانا.. وهي المعالم التي نحتاج إلى وعظ رجالي مكثف للرجال في اتجاه وضعهم على سكة الإتباع لرسول الله في تنزيلها. وقد أبهرني كثيرا المفكر الإسلامي محمد الغزالي حين وصف هذا الزرع الذي ذكرناه أنفا فقال في وصف بليغ لبدايات هذا الزرع بكتابه الشهير جهاد الدعوة (أعجبني وصف سلفنا الأول بأنهم مزرعة خصبة مثمرة والزرع يبدأ خامات رخوة متناثرة ثم ينمو ويتكاثر ويتضام بعضه إلى بعض…)
وهذا “التضام” هو الغائب الذي خرج ولم يعد فاستشرت الفرقة بالبيوت وسرت إلى الكبار فكان كل هذا الخراب.
ذة. فوزية حجبـي