من أوراق شاهدة – الربيع العالمي الإسلامي على الأبواب


في مقال له بجريدة الشرق الأوسط حذر الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان من نكسة بيئية خطيرة لن تستثني أحدا ورصد معالمها من خلال التغييرات المناخية التي اصطحبت معها مواسم جفاف مديدة بسوريا وكانت من بين عوامل تأزيم الوضع السوري قبل حدوث الثورة الشاملة على نظام بشار الأسد، كما رصد الكاتب بوادر رجَّات مناخية بالعراق نتج عنها موجات حرارية مخيفة وأزمة كهرباء خانقة، والشيء نفسه تم حدوثه في إيران وأفضى إلى تقلص نسبة 80 في المائة من المياه ببحيرة أرومية أكبر البحيرات المالحة بإيران، وحذر الكاتب من مضاعفات غير محتملة نتيجة هذه التغيرات البيئية التي لن يسلم منها سنَّة أو شيعة أو غيرهم.
وما يعنينا من هذه المقدمة هو اتحاد ظواهر بشرية وكونية مأساوية تعلن طغيان الفساد في البر والبحر وتؤرخ لبداية النهاية لنظام عالمي رصَّف استعلاءَه باستعباد الشعوب وسرقة ثرواتها ومصادرة خصوصياتها ليبني حضارته الظالمة، وما يستكمله الغزو الروسي لحظة كتابة هذه السطور من تخريب لسوريا يشي بالسقوط التام للقيم الإنسانية والعودة إلى جاهلية الحضارات الأولى التي طغت في البلاد وأكثرت فيها الفساد فصب عليها ربك سوط عذاب. وقد كان حدث المولد النبوي العظيم بإشراقاته المذهلة إيذانا بالقطيعة مع هذه الحضارات الدامية، فما أشبه الأمس باليوم.
تروي كتب التاريخ أن كلتا الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية كانتا متسلطتين، فالإمبراطورية الرومانية كانت دولة استعمارية أذاقت الدول المستعمرة أشد ألوان القهر مع فرض الضرائب الباهظة واستغلال ثرواتها فاستشرى الفقر بينها في الوقت الذي كان فيه قياصرة الروم يعيشون في ثراء فاحش، ولم تكن للإنسان أي كرامة إذ كان يخرج من سجنه إلى ساحات الفرجة لمصارعة الحيوانات الشرسة فإذا غلبته أكلته أمام أعين المتفرجين البرابرة من الرومان.
وإذ توقفنا عند الظلم الفارسي وجدناه لا يقل عنه إذلالا للمستضعفين حيث كانت الطبقية هي السائدة مع ما تستتبعه من احتقار واستغلال ومظالم، أما العلاقة بالمرأة فقد كانت حيوانية تماما حيث كان الفرس يتزوجون من محارمهم، ولا يقيمون للمرأة اعتبارا، الشيء الذي يبين بجلاء تدني كلتا الإمبراطوريتين بالمفهوم الأخلاقي.
ولا يختلف الوضع في الجزيرة العربية حيث بلغ الانحدار الخلقي مداه؛ فلا أمن ولا كرامة ولا تضامن إلا بالمفهوم القبلي الضيق، وكان السلب والغارات الفجائية وسبي النساء وأسر وبيع الأطفال مدعاة للتفاخر بين القبائل كعلامة للفحولة والبسالة، وإذ ولد الهدى وصدع رسول الله برسالة الحق تهاوت المناهج والتصورات المبنية على الهوى والأنانيات والأطماع…
ونحن نعيش في فترة من استقواء المظالم وانهيار المنظومة الأخلاقية وانتشار الكثير من المظاهر السلبية التي عاشتها الأمم القديمة، يتعين علينا أن نعود إلى هذه المفاتيح النبوية الجاهزة لإزهار ربيع حقيقي لا ربيع الفوضى الخلاقة كما سموه. وعبثا تتوحد طرق الزيغ وإن اختلفت أساليب حربها على المنظومة الإسلامية فلا بقاء إلا لقيم الصلاح والخير، تلك القيم التي ولدت ذات ربيع وبشر صاحبها بالرحمة للعالمين. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد استحيت سخريتي في الأيام الأخيرة وذكرني بقول الشاعر في حالة أولئك الذين يقارعون السحاب ويظنون أنهم يقارعون الإسلام،
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ما قرأته من دعوة مغاربة لتنقيح مقررات التربية الإسلامية التي يتم تقزيمها إلى حد مثير للشفقة مع كل حدث إرهابي، فغدت أشبه ب «سروال علي». كما لفت انتباهي تزيين واجهة محرك البحث غوغل في الأيام الأخيرة بصورة قرود داروين الثلاثة وهم يتطورون من قرود إلى كائن بشري في كناية عن أصل الإنسان الحيواني، وقد فرج عني بعضا من غيضي تعليق أخت لي على هذه الصورة بنكتة بليغة قالت فيها: إن طفلا سأل أمه عن أصل الإنسان فقالت إنه قرد، وسأل أباه فقال: آدم عليه السلام. فاحتار الطفل وسأل أباه: كيف تقول أمه أن أصل الإنسان قرد ويقول أبوه إنه من آدم؟ فأجابه الأب: إذا كانت أصول عائلة أمك من القردة فذاك شأنها، أما أصول عائلتي فمن آدم.
وكذلك نقول للذين يتغزلون بربيع الخراب هذا الإرهابي حقا، ويستغشون ثيابهم لسماعهم عن ربيع إسلامي إنساني سمح حليم على الأبواب.

ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>