وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب أليك: إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قوله: «فكثر لَغَطه» بفتحتين قال الطيبي رحمه الله تعالى: اللغط بالتحريك الصوت والمراد به الهُزْءُ من القول وما لا طائل تحته فكأنه مجرد الصوت العري عن المعنى.
قوله: «فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك…» قال في تحفة الأحوذي: ولعله مقتبس من قوله تعالى: «وسبح بحمد ربك حين تقوم».
فيكون أول مجلس المسلم ذكر الله وخاتمته الاستغفار، وعن أبي برزة قال: كان رسول الله يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟ قال: «ذلك كفارة المجلس» رواه أبو داود، ورواه الحاكم أبو عبد الله في المسùتدرك من رواية عائشة رضي الله عنها، وقال: صحيح الاسناد.
وعن ابن عمر قال: قلما كان رسول الله يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ماتهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» رواه الترمذي وقال حديث حسن.
والحديث أخرجه النسائي وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري.
قوله: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معصيتك» لأن خشية الله هي العاصمة من معصية الله، والنفس إذا تشبعت بخشية الله أقلعت أعضائها عن معصيته.
قوله: «ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا» قال في تحفة الأحوذي: إنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلالة الموصلة إلى معرفة الله تعالى إنما تحصل من طريقهما. لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات وذلك بطريق السمع، أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس فذلك بطريق البصر، فسأل التمتيع بها حذرا من الانخراط في سلك الدين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة.
قوله: «واجعله الوارث منا» أي يبقى صحيحا سليما إلى غاية الموت، فيرث من عافيتنا.
قوله: «واجعل ثأرنا على من ظلمنا» قال في التحفة: أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني.
قوله: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا» قال: فيه أن قليلا من الهم فيما لابد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب بل واجب.
قوله: «ولا مبلغ علمنا» أي غاية علمنا ولكن وفقنا للتفكر في المصير.
قوله: «ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» أي لا تجعلنا تحت حكم الجاحدين المنكرين ليوم الدين.
ذ. عبد الحميد صدوق