عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله لفاطمة : «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به: أن تقولي إذا أصبحت وأمسيت: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين».
هذا ذكر عظيم ودعاء جليل كثيرا ما كان النبي يردده ويناجي به ربه، وهو مشفق علينا يريد لنا النجاح والفلاح، فما ترك خيرا إلا ودلنا عليه، ولا شرا إلا وحذرنا منه، ومن ذلك الخير الذي دلنا عليه وحثنا على التزامه هذا الدعاء العظيم الأثر.
إن صروف الدهر وملمات الأيام لا تكاد تفلت أحدا، فلا بد أن تمر بكل منا حالات من الضعف والعجز، وأن تصيبه البلايا من حين لآخر، وأن تتقاذفه مصاعب الحياة ومصائبها، وسلاح المؤمن في ذلك كله هو الصبر والاحتساب، والتوكل على الله جل جلاله في تفريج الكربات، ورفع البلايا وجلاء الصعاب، والتوجه إليه سبحانه بالدعاء والرجاء موقنا بالإجابة محسنا الظن بمولاه.
إننا عاجزون مفتقرون إلى العلي القدير، فنحن في حاجة إلى رعايته وحفظه وإمداده في كل آن، وهذه الرعاية والحفظ والمعية مشروطة ومعلقة بأسباب علينا الأخذ بها، ومنها قوله : «احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك»، وقوله : «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»، وقال فيما يرويه عن ربه جل وعلا: «أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت شفتاه».
ومن أسباب ما نرى من قلة البركة وعدم التوفيق وبطء الإجابة هو غفلتنا وبعدنا عن ربنا، والاقتصار على الدعاء والذكر في مواطن الكرب والشدة، أما في غيرها فتشغلنا الدنيا بزخرفها وملذاتها، وهذا قريب من حال الكفار -والعياذ بالله- الذين قال فيهم القرآن الكريم: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون (العنكبوت: 65).
إن هذا الدعاء المبارك من أسباب تفريج الكرب ورفع البلايا ودرء النوائب عن العبد المسلم، إنه ثناء واستغاثة ودعاء وتبرء.
• ثناء على الله بأسمائه الكريمة وصفاته الحسنى؛ فالحي القيوم من الأسماء التي قال فيها العلماء إنه اسم الله الأعظم، واسم الله الأعظم إذا دعي به أجاب.
ثناء في ثنايا الدعاء، ومن آداب الدعاء أن يوطأ له بالثناء والتعظيم والتبجيل. فإذا ما أحسست بضعف وغلبة، وطوقتك الشدائد فالجأ إلى الحي القيوم وابسط يديك بالدعاء والرجاء؛ إذا ضاقت عليك الحياة وأظلمت في عينك الآفاق فتوجه إلى الحي واهب الحياة، وإذا عسر عليك أمر من أمور الدنيا فاستعن وتوكل على القيوم، قيوم السماوات والأرض الذي لا يعجزه شيء فيهن.
• استغث بالرحيم فإنه سيرحم ضعفك وعجزك، وسيمدك بالتوفيق رحمة منه وفضلا، وإياك أن تستغيث بأحد غيره؛ فإنه كائنا من كان فلن يغني عنك من الله شيئا!
• وحتى لا تحجبنا مصيبة عن باقي أمورنا وشؤوننا يعلمنا النبي أن ندعوا الله ليصلح أمورنا كلها وكل ما يتصل بنا دنيا وآخرة، «وأصلح لي شأني كله»، سره وعلنه، أوله وآخره، وذلك مثل قوله تعالى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (البقرة:201).
• إن الشيطان للإنسان عدو مبين، وهو أشد ما يكون عداوة للإنسان المؤمن، ولقد وقف حياته على التنغيص عليه وزرع الهم والحزن في قلبه، فإذا ما ألمت بالمسلم مصيبة سارع واجتهد في الوسوسة والتشويش عليه، وإذا لم يفلح في ذلك ورأى أن المؤمن ثابت صابر محتسب، وأنه يجد في إيجاد حل لمشاكله ومعالجتها وتفاديها غير أسلوب عمله واعتمد خطة مختلفة؛ وذلك بأن يزين له أعماله ويغرره حتى يظن الإنسان أن تفريج الكرب وذهاب المصيبة إنما كان بفضل ذكائه ومجهوده، وغفل عن أن الأمر لله من قبل ومن بعد، وأنه ما أصابك من حسنة فمن الله، وأنه إن يمسسك بسوء فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك برحمة فلا ممسك لها. فهذا من أبواب الشر ومداخل الشيطان، فلا تنس أن تتبرأ إلى الله الحي القيوم من كل حول أو قوة، وأن تستعيذ به من الاتكال على النفس والركون إليها.
نسأل الله أن يفرج كربنا وأن يصلح أحوالنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، إنه سميع مجيب.
عبد الرفيع أحنين