تعليمنا (عَجَزَ الُمقَوِّمُ وأعْضَلَ الـمُقَوَّمُ)


قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
لا شك أن التعليم هو أساس كل تقدم حضاري ورقي فكري، والأمة التي لا تعنى بالتعليم لا موطئ لها فيn 426 4 المعالي؛ تعيش ذيلا لا ترقى ولا تسود، لأنها لن تحسن الاستفادة من غيرها ولا التأثير في هذا الغير، والأمة التي هذا حالها أمة مفلسة، وهذا أهم أسباب إفلاسها، قال المهدي المنجرة رحمه الله: “إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث: اِهدم الأسرة، اِهدم التعليم، أسقط القدوات والمرجعيات… ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم، لا تجعل له أهمية في المجتمع، وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه”، لقد صدق رحمه الله فإن هذه الأعمدة المذكورة هي أهم ما ميز حضارة الإسلام، وهي مترابطة فيما بينها؛ إذا ما أصيبت الأمة في إحداها أصيبت في المقتل، والحديث عن واقعها في الأمة اليوم حديث ذو شجون، لأنها جميعا تزيد الضغث على الإبالة .
أولاً:من معضلات التعليم ببلادنا
إن مثل التعليم في بلادنا كمثل مريض محتاج إلى عملية جراحية، تولى تطبيبه طبيب عليل، فأخطأ التشخيص فأبطأ موعد العملية، فكلما طال العهد اشتد المرض، ولذلك أقول إن رجال التعليم هم من يكتوي بنار هذا الواقع المؤلم، وهم أقدر الناس على تشخيصه، والأمناء منهم القادرون على إصلاحه، وهذه آلام وآمال في التعليم، ترسم بالعبرات حاله، وتنذر بكشف المواجيد من خطورة مآله.
لقد أعضل تعليمنا بكل ما لهذه الكلمة من معنى، رغم المخططات الاستعجالية المبذولة لإصلاح المنظومة، هذا هو المؤكد وإن كنا من جهة أخرى لا نستطيع الجزم بسبب أو أسباب بعينها في قطاع معقد مثل التعليم، ولكنها تظافرت الجهود والنتيجة واحدة، وليت الأمر كان راجعا إلى العوامل المادية أو إلى عوامل تفوق الطاقة؛ إن الإمكانيات متوفرة والطاقات البشرية هائلة، ولكن الأزمة أزمة فكر ومنهاج، سببه العام انعدام الإرادة وسوء التدبير، مما يعجز أصحاب الضمائر الحية الغيورين عن الإصلاح، ويجعل تضحياتهم محدودة الأثر متناثرة بين ثغور التعليم في البلاد، لا يعلمها ويجزي عنها إلا الله.
قديما كنا نسمع من آبائنا حين المشاورة في شأن تعليم الأبناء “ابعث ولدك إلى المدرسة ولو ليتعلم كيف يكتب اسمه”، إن المؤمل بالأمس في الأقسام الابتدائية لم يعد بالإمكان اليوم تحققه لفئة عريضة من أبنائنا في المرحلة الثانوية، نعم يا سادة إنه الواقع، وكنا نسمع “فلان لا يعرف كتابة اسمه” في حق متعلم في مراحل متقدمة؛ كنا نسمعها ونعرف أنها من باب المبالغة، لكنها اليوم حقيقة وما أمرها من حقيقة، قلت واصفا ولا أبالغ، وممثلا غير مفصل في بيان الحال:”إن من تلامذة السنة الثانية باكلوريا آداب ذكورا وإناثا من يخطئ في كتابة اسمه أو نسبه مرارا”، وأنا أتساءل: كيف لغيور على دينه ووطنه أن يستوعب أن أمثال هؤلاء لا يفصلهم عن الالتحاق بالجامعة “شعبة اللغة العربية وآدابها” إلا الامتحان الوطني؟؟ وكثير منهم يقتحم فيه العقبة بطريق أو بآخر؛ تستغل فيه وسائل الاتصال الحديثة أسوأ استغلال…
ثانياً: مكانة التعليم وقيمته
إننا ندرك هذه الحقيقة جيدا، كما يدرك المسئولون ذلك، ولكن الوصفة لما تضبط بعد، لأننا نريد أن نستجدي مقوماتها من الغير، متناسين أن الخطأ في التعليم العام جسيم، لا يساويه ولا يقاربه الخطأ في غيره من الميادين، لأن أثره سيسري إلى ما عداه، قال الطاهر بن عاشور: “هذا النوع الذي يقضى بإصلاحه قضاء باتا لا هوادة فيه ولا إرجاء، فإن خطأ التعليم العام خطر عظيم على الأمة أشد من خطر الجهالة… فأما التعليم العام فإنه إن صلح عم به الصلاح، وإن كان فاسدا شقيت به الأمة كلها وتذبذبت في معرفة مركزها وساءت اعتقادا في حالة جهلها”.
ألسنا ندرك أن التعليم قائم أساسا على تنوير العقول، وتشكيل فكرها وصياغة ثقافتها، وأن سائر المهن والوظائف تمر بين يدي “التعليم” ولا عكس، وأنه من هنا جاءت عظمة هذه المهنة، ومن هنا استمدت شرفها ونبلها، فإذا أردت إصلاح السياسة فالتعليم أول الطريق، وإذا أردت إصلاح الصحة فالتعليم هو السبيل، وإذا أردت إصلاح القضاء فعليك بالتعليم، وقل مثل ذلك في غير ذلك، فلا إصلاح بغير تعليم، ثم يقولون وبئست القالة: “التعليم قطاع غير منتج”؛ وهل يرقى إنتاج إلى مستوى إنتاج العقول وصياغة الفكر، أليس المعلم من “ينتج” السياسي والطبيب والقاضي والمهندس ورجل السلطة وهلم جرا، وهل يستطيع أحد من هؤلاء أن ينكر أنه قد جلس يوما بين يدي المعلم لتعلم الحروف الهجائية والحساب..، قطعا لن يفلح هؤلاء حتى يعرفوا للمعلم قدره، فإن له فضلا على سائر المسئولين، وبسببه كان لوزارة التعليم فضل على غيرها من الوزارات، إذ المعلم هو أول مكلف بتأهيل كل “مواردها البشرية”، أيكون بعد هذا غير منتج !!؟
ثالثاً: مداخل أساسية لإصلاح المنظومة التعليمية
إننا ندرك وندرك.. ولكننا لما نمتلك بعد الإرادة الحرة التي تمكننا من تفعيل ما ندرك، فكيف السبيل إلى الإصلاح؟ إن أول الواجب أن نتحرك على هدى، وذلك بأن نبني مناهجنا على كتاب ربنا ونهج نبينا، وهذه نظرات وتأملات في سبيل ذلك.

1 – إصلاح المناهج:
إنه لا مناص لنا من العناية بالفلسفة التعليمية، وأهم ما فيها قضية المناهج: ولما كان شأن التعليم مرتبطا أساسا بالهوية فلا ينفع فيه استجداء المناهج، وإذا أعيتنا المناهج فليس الحل هو استيراد مناهج مفلسة من الغرب، والعمل على استنباتها في أرض غير أرضها، بل علينا على الأقل الرجوع إلى الماضي، ونحن أمة لا تخجل من الرجوع إلى الماضي، لأن صورة الماضي عندها هي النموذج المحتذى، فلنعد إلى المناهج القديمة المجربة فإنها أنفع لنا وأجدى من هذه المناهج الهجينة، وقد خرجت تلك المناهج أجيالا هي إلى اليوم رمز للفخر والاعتزاز، فلماذا نستبدلها وبين أيدينا القرآن والسنة ؟؟
2 – إصلاح وضعية المعلم والمدرس:
قضية المعلم قضية مفتاح في الإصلاح؛ إن المعلم الذي كاد يكون رسولا؛ لأنه كان إلى عهد قريب مرجعية للناس في العلم والفقه والسياسة والاجتماع.. صار اليوم مهدور الكرامة في المجتمع، بدءا من طلابه الذين لم يعد يحظى بتقديرهم، بل صار محط سخرية تنسج حوله النكت والغرائب، وإن ذكرت مهنته قيل “مسكين”، وكثيرا ما يغرى بينه وبين التلميذ، بفعل بعض القوانين والمذكرات المنظمة التي تتلفع بمروط المدافع عن حقوق المتعلمين، حتى صيروا العلاقة بينهما علاقة صراع مقيت، بعدما كانت علاقة سامية ترقى لمقام الجمع بين المستنير والمنير، أصلها العلم وفروعها المحبة والتقدير، فها هي ذي قد أصبحت اليوم أشبه ما تكون بعلاقة بني إسرائيل مع أنبياء الله؛ إذ بعث الله فيهم أكثر أنبيائه ورسله، فقتلوهم أو كذبوهم وعذبوهم، قال تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ()، بئس ما صنعوا، فكانوا كمن أوتي شمعة فأطفأها وسار في الظلام.
إن رد الاعتبار لرجل التعليم حتمية شرعية وضرورة حضارية، لأن التعليم أشد المناصب حساسية؛ ولن توتي
أكلها حتى يتمتع المعلم بالاستقرار والأمن النفسي والاجتماعي ليؤدي حقها على أكمل وجه، ولا يكون ذلك حتى يعزر ويوقر، قال مال