الإنسان كائن أخلاقي، وفي الأخلاق تكمن إنسانيته وبها تكمل، وبالأخلاق تصفو حياته الاجتماعية وتزكو. ولا يتصور الإنسان إلا كائنا أخلاقيا. والأخلاق كما تكون فردية تكون جماعية، وكما تكون مع الله جل جلاله تكون مع الناس وسائر المخلوقات، وكما تكون في الخلوة تكون في الجلوة.
والأخلاق هي التجسيد العملي للفكر والمعتقد، فصلاح الأخلاق وفسادها تابع لصلاح الاعتقاد وفساده طردا وعكسا.
فالأخلاق في الإسلام صورة للتكامل بين الإيمان والسلوك، وعنوان لصلاح باطن المسلم، ودليل على رسوخ الإيمان والعلم بالله تعالى وبدينه ومقتضيات ذلك. والتلازم بينهما كالتلازم بين الأثر والمؤثر، فلا إيمان إلا وله أثر أخلاقي في النفس والسلوك، ولا سلوك إلا وهو أثر من آثار الإيمان، فعلى قدر استقامة الإيمان تكون استقامة الخُلُق، ألم يقل الرسول [: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ»، وقال أيضا: «البر حسن الخلق».
والتخلق بما شرع الله تعالى من أخلاق كريمة وفضائل قويمة شرط من شروط الكرامة والمكانة الاجتماعية، وشرط من شروط الترقي في مدارج القرب من الله تعالى؛ قال رَسُولُ اللَّهِ [ : «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا» (رواه الطبراني والترمذي)
ولا يخفى ما صار إليه حال الأخلاق في زماننا من انحطاط قدرها وإزراء بأهلها وخرق لمبادئها وانحراف عن فضائلها، ولم تعد الفضائل أولويات في التربية داخل الأسرة والمدرسة والحياة، ولقد سارت الحياة المعاصرة سيرا ماديا جعلت من الأخلاق مجرد تقليد اجتماعي وتاريخي متجاوز ولا علاقة له بالحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تقوم على البعد المادي والنفعي، فأبعدت الأخلاق عن الحياة كما أبعد الدين.
ويغرق كثير من الناس في تحليل ظواهر الانحراف الأخلاقي ويتفننون في ردها إلى أسباب التفكك الأسري أحيانا، وإلى أسباب اقتصادية (فقر، ضعف الدخل الفردي، البطالة …) أو إلى أسباب أخرى سياسية أو قانونية.. وهي لعمري اجتهادات وقفت عند القشور واكتفت بظواهر المشكل وأعراضه ولم تتجاوز ذلك إلى العلة الأُولى والسبب الأَوْلى. إن مشكلتنا الأخلاقية راجعة بالأساس إلى ضعف التربية الإيمانية التي من شأنها إذا أقيمت حق الإقامة أن تخرج ما يلي :
- الإنسان الصالح في نفسه المستقيم خلقا مع ربه ومع الخلق جميعا كل على حسب قدره وحقه. العامل بالقرآن الكريم والمقتفي أثر وسنة وسيرة الرسول [ الذي «كان خلقه القرآن» فكان بذلك أكمل الناس أخلاقا.
- الأمة الصالحة المستقيمة على شرع الله تعالى، والعاملة بدينها في أفرادها وهيئاتها ومؤسساتها، المتخلقة بمكارم الفضائل مع أبنائها وغيرهم.
وعليه فإن الأخلاق جزء من منظومة إيمانية كلية لا ينفصل فيها الدين عن الدنيا، ولا المعاملات عن العبادات ولا الإيمان عن العمل، ولا ينعزل فيها الفردي عن الجماعي.
وعليه فإن أي مشروع يروم إصلاح ما فسد في هذه الأمة عليه أن يضع في أولى الأولويات التربية على الإيمان بالله جل وعلا وما يدخل ضمنه من أركان أخرى، والتربية على تخلق العباد مع رب العباد بغرس قيم الصلة بالله تعالى وحبه والخشية منه والرضا بما شرع، فإن مناهج التربية في مجتمعاتنا أصبحت فقيرة جدا من غرس القيم الإسلامية ذات النفع الدنيوي والأخروي، والظاهر والباطن، فرديا وجماعيا، جزئيا وكليا.
- ألا فهل من راغبين صادقين في إصلاح البلاد والعباد بالعودة بالجميع إلى التمكين لدين الله تعالى تمكينا صحيحا قويما في الفهم والسلوك والالتزام؟!
- ألا هل من مراجعة لأزمتنا الأخلاقية في بعدها الشمولي والكلي والعميق وليس في قشورها وظواهرها بربط العباد بالله حقا وصدقا؟!
- ألا من جهود تعود بمؤسسات التربية والتنشئة في بلادنا إلى تبوؤ مكانتها وأداء رسالتها بغرس قيم الإسلام، وإنتاج المسلم القوي الأمين، الراشد الشاهد والأمة الراشدة والشاهدة؟!. وصدق الله رب العزة حين قال: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104)