في أي عصر وفي أي مَصْر، تبرز قضية الصراع بين الهوية والاستلاب، ويتبارى فيها فريقان كل واحد منهما يحاول أن ينتصر لرأيه وأن يبخس رأي الطرف الآخر، وفي رأيي المتواضع أن سبب الخلاف بين الطرفين هو الغبش الذي شاب القضية منذ البداية، فبدل أن نتكلم عن تطوير وتجديد أسلوبنا الحضاري وتكييفه لمواكبة التطور الإنساني تحت مظلة الموروث القيمي، أصبحنا نتكلم عن الانسلاخ الحضاري والتمرد الهوياتي… إن التجديد سنة من سنن الله الكونية، ولا يمكن لعاقل أن يقف في وجه قطار الحياة وإلا سينسحق تحت عجلاته، ولكن التجديد لا يعني بالأساس القبول بأي نسمة هبت حتى ولو كانت تحمل معها سبب موتنا واندثارنا، إن الأشجار كي تحافظ على رونقها وعطائها تجدد أوراقها من حين لآخر، لكنها تحتفظ بجذورها المنغرسة في التربة حفاظا على أصولها وحياتها، ويوم تفقد جذورها تكون قد حكمت بالفناء على نفسها، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الإسلامي محمد إقبال رحمه الله تعالى:
الغصن المنفصل عن الشجرة
لا يورق وإن أتى الربيع
تلك سنة الحياة
فتمسك بالشجرة
وضع أَمَلك في الربيع
إن كل المفكرين المخلصين لثقافتهم، مهما اختلفت عقائدهم ومشاربهم، يرفضون أي تطور يهدد الأمن الروحي لمجتمعاتهم، يقول شاعر الهند طاغور:
إن نوافذ بيتي مشرعة
لكل الرياح والثقافات
تتلاقح فيها بكل حرية
لكن من غير أن تقتلع
جذوري.
ذ: أحمد الأشهب