الـسـجـود لله تعالى فضائل وآثار


الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد:
السجود هو أعظم مراتب الخضوع وأحسن درجات الخشوع، السجود أعلى مقامات الاستكانة وأحق مراتب الطمأنينة، في السجود يتمكن العبد من القرب إلى الله تعالى وتلقى أنوار رحمة الله ومعاطف كرم سيده ومولاه.
إن السجود يستوجب استحضار عظمة الله ، إضافة إلى ما يحضر حالة القيام والركوع، يخر العبد ساجداً ويمكن أعز أعضائه وهو الوجه من الأرض، وذلك أجلب للخشوع وأدل على الذل والخضوع.
لقد أمر الله  الملائكة بالسجود لآدم، فكان سجودهم امتثالاً لأمر ربهم، وعبادة وطاعة لخالقهم، وتكريماً لآدم ، تنفيذاً لأمر معبودهم.
أما إبليس فقد امتنع عن السجود، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، وبذلك عارض النص برأيه وقياسه الفاسد، معتقداً أن النار خير من الطين، وأن الفاضل لا يسجد للمفضول.
والحقيقة أن التراب يفوق النار في أكثر الصفات، فإن من صفات النار طلب العلو والخفة والطيش والرعونة، و من صفات النار إفساد ما تصل إليه ومحقه وإهلاكه وإحراقه، وأما التراب فمن صفاته الثبات والسكون والرصانة، والتواضع والخضوع والخشوع والتذلل، وما دنا منه ينبت ويزكو، ويبارك الله فيه.
فإبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وآدم تاب واستكان، وانقاد واستسلم وكان من المستغفرين.
روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: «إبليس أبلسه الله من الخير كله وجعله شيطاناً رجيماً عقوبة لمعصيته».
وقال العماد ابن كثير: «فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله: أي أيسه من الخير كله وجعله شيطاناً رجيماً عقوبة لمعصيته».
ترك إبليس السجود فأُبلِس من الرحمة: أي أُويس من الرحمة فأبعده الله  وأرغم أنفه وطرده من باب رحمته ومحل أنسه.
عن أبي هريرة : قال رسول الله : (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلاه أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار). (أخرجه الإمام مسلم).
لقد شرع الله  السجود للدعاء والتضرع، والتكلم بكل ما في النفس مناجية ربها خاضعة خاشعة، شرع الله  السجود ليلتجئ فيه العبد إلى ربه في حالات الغم والهم والضيق والجزع، فتفويض الأمر لله سبحانه هو الحل لجميع الأمور والمشكلات، والأمراض والمعضلات، و حري بالعبد أن يقدم شكواه ويسأل حاجته ويلتجئ إلى مولاه في مقام عظيم، مقام السجود.
كشفت بعض الدراسات التي أجريت في مركز تكنولوجيا الإشعاع، أن السجود لله تعالى يخلص الإنسان من الآلام الجسدية والتوتر النفسي وغير ذلك من الأمراض العصبية والعضوية… واكتشف علماء متخصصون في العلوم البيولوجية، أن السجود يقلل من الإرهاق والتوتر والصداع والعصبية والغضب، فسبحان الذي قال في محكم التنزيل: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
الخطبة الثانية:
الحمد لله:
السجود عبادة للرب الخالق، لا ينبغي أن يسجد لأحد سواه مهما كانت مكانته أو ارتفعت درجته. لقد أمر الله  رسوله بالسجود فقال: واسجد واقترب وأمر سبحانه عباده بالسجود ومدح سبحانه الساجدين في أكثر من آية. فعن أَبِي هُريرة ، أَنَّ رسُول اللَّه قَال: أَقْرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ . (أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان والبيهقي).
قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم: «معناه أَقرَب ما يكُون مِنْ رحمة ربّه وَفَضله. وفي هذا الحديث الحَثُّ على الدُّعاءِ في السجود. وفيه دليل لمن يقول إن السجود أَفضل من القيام وسائر أَركان الصّلاة.
إن لحظاتِ السجودِ لحظاتٌ فريدةٌ في حياة الإنسانِ، ذلك أنه يكونُ في مقامِ القرب من الرب .
وللسجود فضل عظيم وهو من أحب الأعمال إلى اللهِ تَعَالى، عَنْ معدان بنِ أَبي طلحة قال، لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلى رسول الله ، فقلت: أَخبرنِي بعمل أَعمله يدخلني الله بهِ الجنة، أَو قال قلت: أَخبرْني بِأَحبِّ الأَعمال إِلى الله فسكت، ثُمَّ سأَلتُه فسكت، ثُمَّ سأَلته الثَّالثةَ فقال: سأَلْتُ عن ذلك النَّبي فقال: (عليك بكثرة السُّجود، فإِنَّك لا تسجدُ لله سجدةً إِلاَّ رفعكَ الله بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خَطيئةً). (أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه).
وعن عبادةَ بنِ الصَّامِتِ أَنه سمعَ النبي يقول: (ما من عبدٍ يسجد لله سجدة إِلاَّ كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فاسْتَكثِرُوا من السُّجود). (أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح).
وعن حذيفة قال: قال رسول الله : «ما من حالةٍ يكون العبد عليها أَحب إلى الله من أَن يراهُ ساجداً يُعَفِّرُ وَجههُ في التُّراب».(أخرجه الطبراني في الأوسط)، وقوله : يعفر وجهه في التراب كناية عن الخضوع لله تعالى وتمام الذل له.
أما بعد هل فتحت لنا في لحظة من لحظات السجودِ العوالمُ والآفاق، التي تفتح للساجدين بحق؟ وهل تولدت في أرواحنا تلك المعانٍي الراقية التي تتولد في أرواح المسبحين.
هل سجدت قلوبنا لله  مع سجود أعضائنا؟ أم أن صلاتنا حركات فارغة، وأقوال بلا روح؟
هل ذاقت قلوبُنا بعضَ معاني القرب من الله ؟
قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعـم، سجدة لا يرفع رأسه منها أبدا…
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك، اللهم لا تحرمنا من لذة القرب منك في الدنيا، ولذة النظر إلى وجهك الكريم في الآخرة.
والحمد لله رب العالمين.

ذ. الوزاني برداعي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>