من أدب الأذان : «لا حول ولا قوة إلا بالله»


عندما يرتفع صوت الأذان من الصوامع مناديا في جموع المسلمين أن هلموا إلى الصلاة تنطلق حناجر المؤمنين مرددة مع المؤذن قائلة كما يقول، وتنخرط الطيور في السماء والأسماك تحت الماء بدورها في ذكر الله مستغفرة للمؤذن(1)، وهكذا يعيش الكون كله لحظة رفع الأذان والتثويب للصلاة الجامعة وحدة وتناغما وتوافقا في إعلان وحدانية الله جل وعلا والخضوع له سبحانه.
إن الأذان من أوضح الشعائر الدالة على عظمة الإسلام واتساع رقعته وكثرة المنضوين تحت لوائه، وكيف لا وقد غدا صداه يتردد في آفاق البسيطة كل حين من دون انقطاع.
إنها لحظة مشهودة محبوبة لدى المؤمنين، وتراهم إذ تطرق مسامعهم أولى كلمات الأذان ينصرفون عن كل شغل ويصمتون عن كل كلام إلا عن الترديد مع المنادي عبارات الأذان مما علمهم المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر… ثم قال: حي على الصلاة، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: حي على الفلاح، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله..»(2).
«لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة، كما أخبر بذلك الحبيب [ وبشرنا؛ وبهذا فإن المؤمن بمجرد أن يردد مع المؤذن عند كل أذان «لا حول ولا قوة إلا بالله» فإنه يتم في كل يوم إعداد عشرين كنزا له في الجنة، وما أدراك ما كنوز الجنة! أما باقي عبارات الأذان فإن فيها من الأجر والمثوبة ما لا يعلمه إلا الله، فلك الحمد ربنا ما أرحمك بنا وما أكرمك!
وأرى -والله أعلم- أنه في تخصيص عبارتي «حي على الصلاة حي على الفلاح» بذكر خاص عند متابعة الأذان وهو «لا حول ولا قوة إلا بالله» فائدة جليلة وهي: تربية المؤمن وإعلامه وتذكيره بأنه لا حول له ولا قوة على إقامة الصلاة حق إقامتها والمحافظة عليها ونيل الفلاح بها وبغيرها من أعمال البر لولا أن هداه الله وأرشده إلى ذلك وأعانه عليه، قال تعالى: { ما أصابك من حسنة فمن الله} (النساء، 79)، وقال حاكيا على لسان المؤمنين في الجنة: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} (الأعراف، 43).
وبإدراكنا لهذه الحقائق واستذكارنا لها عند كل أذان بل مع كل عمل؛ نقطع على النفس أسباب الغرور والإعجاب، ونلزمها بآداب الوقار والتذلل والعرفان لله الذي من عليها ووفقها لما هي عليه من الخير.
وينبني على هذه الحقيقة أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو أنه إذا رأينا أحدا من عباد الله يغفل عن صلاته أو أنه تارك لها البتة رجعنا إلى أنفسنا فذكرناها بفضل الله، وحمدناه وأثنينا عليه بما هو أهله، وتعوذنا به أن نصير إلى ما هو عليه، ثم دعونا له ولأمثاله بالهداية والتوفيق؛ {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم}(النساء،94)، وإن لم تكونوا كذلك فإنه لولا الله جل وعلا لكنتم كذلك.
وهذا ليس خاصا بالصلاة فقط، بل هو عام في كل خير، ورأس الخير الإيمان، فلا تشمت بأحد من عباد الله تعالى ولا تأمن أن تكون يوما مكانه، فأسأل الله العلي القدير لنا ولك الثبات والاستقامة.

عبد الرفيع أحنين

—————
1 – إشارة إلى حديث: «يغفر للمؤذن منتهى أذانه ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه»، رواه أحمد والطبراني في الكبير، وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب 233.
2 – صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، رقم: 876.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>