لكل أمة أعيادها؛ فيها تجتمع كلمتها، وتتوحد صفوفها ويلتئم جمعها، ويتعانق غنيها وفقيرها، وتتحد جهودها لوضع الآلام وإحياء النفوس بالآمال.
كل أمة تفتخر بأعيادها؛ فتجعلها فرصة لتذكر ما تركه الأجداد للأحفاد من نفيس الأمجاد، وتحفز به الهمم لمزيد من البناء والإعداد والقوة والاتحاد.
وفي ديننا الحنيف شرع العيد لمقاصد وحكم ، قل نظيرها عند الأمم:
- فأعيادنا لم تشرع إلا عقب موسم من العبادة الجماعية فيه بذل قدر زائد من الجهد لعبادة الله تعالى وطاعته، عيد الفطر بعد شهر الصيام، وعيد الأضحى بعد أيام الحج.
- وأعيادنا شرعت للاجتماع فيها على الخير والتصافح، والتغافر والتباذل(من البذل المشترك) وتمتين روابط الأخوة، وتزويد جسم الأمة بكل عناصر القوة والفتوة.
وأعيادنا فيها مزيد من تعظيم حرمات الله جل وعلا، والتقرب إليه سبحانه بطيب الأقوال وصدق الأفعال وصفاء الأحوال.
أعيادنا فيها مزيد من الإحسان للعباد، والتراحم والتعاطف، وإصلاح ذات البين، وسد خلة المحتاج…
أعيادنا يجتمع فيها الصغير والكبير، والغني والفقير على وحدة الشعور في الفرح والسرور، ووحدة القرار والمصير.
لكن تعالوا بنا ننظر أي عيد صار للأمة بعد انحسارها وانكسارها، وبعد تفرقها وتمزقها، وبعد تغيبها وتغربها:
يأتي العيد والفقراء فقراء غرباء في ديارهم، جياع بين أهليهم وذويهم.
يأتي العيد وتبقى الشحناء والبغضاء مالكة للقلوب مستحكمة في الشعوب، لا تقذف إلا بحمم الحروب والكروب.
يأتي العيد ويزداد الفسق والفجور، والكبرياء والغرور قاذفا بكل أصناف البلايا والشرور.
يأتي العيد ولا يذوق طعمه كثير من أبناء الأمة، ولا يعيشه كثير من الأطفال، فحروب الإبادة والتطهير، وسياسات الطرد والتهجير، ما تركت للعيد طعما ولا مذاقا، ولا ودا ولا وفاقا.
يأتي العيد وشبابنا لا يعرفون له حُكْما ولا حِكَما، فقد غربهم التعليم وغيبهم الإعلام عن العيش في كنف المعاني الإسلامية للعيد.
يأتي العيد ولا تُسترد حقوق المظلومين، ولا تُسمع شكاوى المغبونين، ولا تُمسح دموع المحرومين، ولا تُنفس هموم المنكوبين، ولا تُعتق رقاب الأسارى والمسجونين.
يأتي العيد هذا العام كغيره من الأعوام ليس فيه من الشر إلا الأكوام، وليس فيه من الآمال إلا الأوهام، وليس فيه من الوعود بتحسن الأحوال إلا مثلما يراه النائم في الأحلام.
فكيف نعيد للعيد بسمته من جديد؟ ومتى تعيش الأمة عيدها الذي جعله الشرع لها عيدا؟
يوم تتوب إلى الله تعالى متابا؛ متابا في الجوهر والمظهر، في السر والعلن، في الخاص والعام.
يوم تجعل العيد تتويجا حقيقيا للعبادة، والشكر على التوفيق للطاعة،
ويوم تكبر الله وتعظمه بألسنتها وأفئدتها تفكيرا وتعبيرا وتدبيرا.
يوم تجعل الفرحة عامة للصغير والكبير ولا يستثنى منها غني ولا فقير، ولا شعب دون شعب، ولا طائفة دون طائفة.
يوم تقيم الأمة العدل بين أبنائها؛ عدلا في إصدار الأحكام، وعدلا في توزيع الخيرات بين الأنام، وعدلا في تدبير الشأن العام.
يوم تجعل الأمة احتفالاتها بالعيد شرعية خالصة لا تشوبها شوائب الحرام الماحقة، ولا نزعات العدوان الحالقة.
يوم تصير الأمة كل الأمة عابدة لربها، مشعة بنورها، قائدة لبنيها لكل خير، رائدة في كل مجال، شاهدة على الناس بالعدل والفضل.
يومها لا يفرح المؤمنون بالعيد فحسب وإنما يفرحون بنصر الله تعالى، ألا إن نصر الله قريب؟! فأين العاملون له الساعون فيه ؟! وأين المسارعون في الخيرات وهم لها سابقون؟!