أخي المسلم رمضان شهر يتجدد فيه الإيمان، ويتجدد فيه العهد مع الله جل وعلا على العمل بطاعته والإقلاع عن معصيته، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}. وقد أعطى النبي [ النموذج من نفسه في باب التوبة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور»(رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد).
هكذا كان إمام الهدى والدعوة، وبما أن الإنسان لا يسلم من الخطأ فخير الخطائين التوابون، قال رسول الله: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»(رواه الترمذي).
أخي المسلم كم تسمع في رمضان من مواعظ ودروس فإن لم تنتفع وأنت في رحمة رمضان فاعلم أنك محجوب عن نفحات رمضان،قال رسول الله: «ارحموا تُرْحموا، واغفروا يُغْفَر لكم، ويل لأقماع القول -أي الذين لا ينتفعون بالوعظ- ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون»(رواه البخاري في الأدب المفرد).
وهل تعلم أخي الكريم ونحن في شهر الكرم أن العبد يُحْرَم الإكرامَ الإلهي بسبب الذنب، قال: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه«(رواه ابن ماجة)، وقال الإمام علي ] : «ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة».
فالنجاة أخي المسلم في التوبة ونحن في محطة رمضان، وهي محطة الإقلاع نحو رحمة الله الغفور الرحيم، عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»(رواه الترمذي وحسنه)، البكاء والندم في ليل رمضان باب من أبواب التوبة، قحط الناس في زمن موسى عليه السلام فخرج للاستسقاء ومعه سبعون ألفاً من بني إسرائيل فتوجه موسى إلى ربه فقال: يا رب اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك، اسقنا بالأطفال الرضع، والمشايخ الركع، والبهائم الرتع، فما زادت الشمس إلا حرارة، فقال الله له : يا موسى كيف أسقيكم وفيكم رجل يبارزني بالمعاصي أربعين عاما، فقال موسى: أيها العبد العاصي أربعين عاما اُخرج من بيننا، فإننا مُنِعنا السقيا بسببك، فلما سمع العبد العاصي كلام موسى قال: إلهي عصيتك أربعين عاماً وأنت تسترني، واليوم جئتك تائبا فاقبلني يا سيدي، فأدخل رأسه في جيبه فجعل يبكي، فارتفعت سحابة فنزل المطر، فقال موسى: إلهي لم يخرج من بيننا أحد فسقيتنا، فقال له الله تعالى : إن الذي منعتم بسببه سقيتم به».
رأيت أخي المسلم بكاء الندم استوجب نزول الغيث من السماء، فتطهر وأقبل على الله تبارك وتعالى قال: «من تطهر في بيته فمشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط عنه خطيئة، والأخرى ترفع له درجة»(رواه مسلم).
هناك في رحاب المساجد وفي أجواء رمضان يلتقي المسلم بإخوانه التائبين، فينعم بصحبة الأبرار، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: لقد صحبت ناسا ما كانت صحبتهم إلا شفاء من كل داء، يبيتون على أقدامهم، تجري دموعهم على وجوههم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم.
عبد الحميد صدوق