مـاذا لـو عملنا بفـريـضـة الـزكـاة ؟


zakatذ. محمد ديان

لقد حرص الإسلام دين الإنسانية والتفاعل والتضامن والرحمة على توطيد الأواصر الأخوية بين كل الأجناس البشرية، ولهذا جاءت مبادئه وتعاليمه زاخرة بكل ما يخدم ويعضد هذا الجانب. ولعل من أهم ما شرعه لذلك، فريضة الزكاة التي تعتبر حقا للفقير والمسكين، بحيث يؤديها المسلم عن طيب خاطر وعن اختيار واقتناع، متخذا منها قربة ووسيلة وعبادة، وهذا ما يجعل الزكاة تخرج عن كونها منحة يجود بها الغني على الفقير، وبذلك لا يحس المعوز بأي حرج أو بأنه مدين للمزكي، فلا تهدر كرامته ولا تجرح إنسانيته ولا يخالجه شعور بنقص، فيبقى شامخ الرأس لا يطأطئه ولا يحنيه إلا لله تعالى .
ولم تخل الشرائع السماوية السابقة، من فريضة الزكاة. فلقد قررت آيات القرآن أن الله سبحانه قد أمر بها بني إسرائيل كما هو منصوص عليه في الآية الكريمة : {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}(البقرة : 41 – 42.)
والزكاة أيضا ضمن ما أوصى الله جلت قدرته به عيسى بن مريم \، وهذا ما عرضت له الآية الكريمة. : {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيئا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا}(مريم : 29 – 30.)
وما من عاقل، فضلا عن منصف، فضلا عن مؤمن، إلا ويجد أن الإسلام أولى الزكاة أهمية كبرى وبوأها منزلة رفيعة عظمى، ذلك أنه قرنها مع الصلاة في اثنين وثمانين موضعا من كتاب الله عز وجل. وما اقتران الزكاة بالصلاة إلا دليل على ما تكتسيه من بالغ الأهمية، ولما لها من مقاصد عالية، وأهداف غالية، لعل أهمها وأبرزها :
أولا : الزكاة تطهر وتزكي النفس :
قال الخالق تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}(التوبة : 103).
إن الزكاة تطهر نفوس الفقراء من الحسد والحقد والبغضاء تجاه الأغنياء، لما ينالهم من خير وبركة الزكاة، كما أنها من ناحية أخرى تطهر نفوس الأغنياء من الطمع والجشع، بما يبادرون من إنفاق وزكاة. والزكاة أيضا وسيلة لتطهير الروح مما علق بها من أدران الذنوب، ودنس الخطايا.
ثانيا : الزكاة توفر الصحة النفسية:
إن الإنسان الذي يدفع الزكاة يحس بسعادة تغمر قلبه وروحه، ونشوة تجتاح عقله لما أسداه من معروف، وقام به من واجب، فينعم براحة البال والضمير والصفاء النفسي والاطمئنان القلبي، فلا يخشى من انتقام فقير، أو تطاول مسكين، أو إذاية محتاج، وإنما يملك بدفعه الزكاة قلوب المحتاجين، فيسكنونه قلوبهم ومهجهم.
ثالثا : الزكاة تحصن المال :
إن المسلم بما يدفع من زكاة يعمل على تحصين ماله من الآفات، فيبقى في مأمن وفي ذمة الله تعالى، وبذلك لا يلحقه ضياع ولا تلف ولا نهب ولا سرقة، وإنما يبارك الله تعالى فيه، قال رسول الله [ : «حصنوا أموالكم بالزكاة»(رواه أبو داود)
رابعا : الزكاة توطد أواصر الأخوة :
تسهم الزكاة في توطيد دعائم الأخوة بين أفراد المجتمع قاطبة، بحيث يتعاون بعضهم مع بعض، ويشد بعضهم أزر بعض، فتسود بينهم الألفة والمحبة، والتكافل وسد الخَلة، وإشاعة الخُلة مصداقا لقوله سبحانه : {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات : 10.)
خامسا : الزكاة تضيق فجوة التفاوت الطبقي:
خلق الله تعالى الناس متفاوتين في مواهبهم ومعايشهم مما يترتب عنه بالضرورة تفاوتهم في تحصيل المال، فتنشأ الطبقات الاجتماعية، ونظرة الإسلام الواقعية ترى أنه لا يمكن أن يكون الناس سواسية في أوضاعهم المادية، لكنها من ناحية أخرى لا تحبذ التفاوت الطبقي الصارخ حيث تستأثر فئة قليلة دون القاعدة العريضة بالمال. قال سبحانه: {لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}(الحشر : 7)
وليستفيد كل سائل ومحروم فتضيق فجوة التفاوت الطبقي، فرض الله عز وجل الزكاة. فقال عز من قائل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}(التوبة : 60.)
سادسا : الزكاة انقياد وطاعة لله تعالى :
يسارع المسلم إلى دفع ما عليه من زكاة امتثالا لأمر ربه وخوفا من عقابه، وابتغاء مرضاته. فهو لا يرجو أجرا إلا من رب العالمين وحده كما قال تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا}(الإنسان : 9).
سابعا : الزكاة توفر فرصا للشغل :
تعاني كل المجتمعات اليوم من تفشي ظاهرة البطالة التي تعيق التقدم والازدهار، وتجعل المجتمع يخسر الكثير من طاقات وقدرات ومواهب أبنائه. والزكاة تسهم بنصيب في توفير فرص الشغل، وذلك من خلال إيجاد عمال وظيفتهم جمع الزكاة مقابل إعطائهم سهما من أوجه صرفها: مصداقا لقول الرزاق سبحانه: {والعاملين عليها}(التوبة : 60).
ثامنا : الزكاة وسيلة لمحاربة الفقر :
لم يشرع الإسلام الزكاة عبثا، وإنما كان يتوخى من فرضيتها محاربة كل مظاهر الفقر والهشاشة، وما يؤكد ذلك هو أن الحكيم العليم في محكم التنزيل، لما بين الأصناف الذين لهم نصيبهم المفروض في الزكاة، جعل على رأس هؤلاء طبقة الفقراء وشريحة المساكين بنص الآية الكريمة {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}(التوبة : 60).
فبالقضاء على الفقر والهشاشة نقضي على الانحراف والجريمة. والواقع يشهد أن الطبقة المحرومة المهمشة هي في الغالب مصدر القلاقل والانحرافات المخلة بالأمن العام، والسلم الاجتماعي بما ترتكب من محرمات شرعا ومحظورات قانونا، ولهذا تبقى الزكاة آلية للتضييق على دائرة الفقر والحد منها، إذ في مال الغني ما يسع ويكفي حاجاته وحاجات الفقير. وإذا ما أدى الغني فريضة الزكاة لن يبقى أحد يعيش تحت وطأة الفقر المذقع.
تاسعا : الزكاة وسيلة لسداد الديون :
يلجأ الإنسان تحت وطأة الحاجة إلى الاستدانة. وقد تتراكم عليه الديون فتقصم ظهره، فلا يستطيع سدادها. والإسلام مراعاة لظروف هذه الفئة، خصص لها سهما من مصاريف الزكاة حتى تحط عن ظهرها وزر وإصر ديونها، بذلك نطق القرآن الكريم في آية الزكاة (والغارمين) (سورة التوبة، الآية : 60).
عاشرا: الزكاة وسيلة للضمان الاجتماعي :
خلق الله تعالى الإنسان، وفضله على كثير من المخلوقات، وبذلك نال التكريم من ربه الأكرم، وحتى لا تمس كرامته فلا بد من أن توفر له كل الضروريات والأساسيات والحاجيات التي لا بد منها لقيام حياة كريمة تليق بالإنسان من حيث هو مخلوق مكرم، لكن البعض لا يستطيع توفير كل ضرورياته فأوجب الإسلام على المجتمع أن يكفله ويضمن له حاجاته، وأعطاه الوسيلة الإجرائية الفعالة للقيام بذلك من خلال فريضة الزكاة التي تعتبر أول ضمان اجتماعي مقنن عرفته البشرية. وهذا مدعاة إلى الفخر والاعتزاز لكل من لامس نورُ الإسلام شغافَ وسويداءَ قلبه؛ قال تبارك وتعالى: {والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم}(الذاريات : 19).
حادي عشر: الزكاة وسيلة للتنمية :
مع تطور الحياة وتعقيداتها، أصبحت حاجات الإنسان أكثر كما ونوعا، مما يستدعي من الدولة أن تبذل جهودا أكثر وأكبر في سبيل تحقيق الحاجات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتنموية التي ترقى بمستوى الفرد والمجتمع. وقد تجد الدولة مواردها المالية محدودة فلا تستطيع توفير تلك الحاجات. ومما يسعفها في هذا المجال فريضة الزكاة التي تحصلها من مواطنيها، مخصصة سهما من مصارفها في سبيل إرساء تنمية مستدامة. قال تعالى: {وفي سبيل الله}(التوبة : 60).
كانت هذه بعض أهداف الزكاة التي لا يمكن حصرها برمتها لكثرتها. ففي كل يوم تتكشف لنا فوائد الزكاة أكثر فأكثر لما فيها من خير جم وعميم. كيف لا يكون الأمر كذلك والزكاة نظام محكم وضعه الله الحكيم ليصلح به معاش ومعاد العباد.
وإذا طبقت الزكاة وصرفت في وجوهها الشرعية، تحقق بها كل فلاح ونجاح. فنستطيع ـ بحمد الله ـ أن نمخر عباب التنمية بكل أمان إلى شاطئ التقدم والازدهار، مصداقا لقوله سبحانه: {ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويوتون الزكاة وهم بالآخرة هم موقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}(لقمان :1 – 4).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>