مقدمة :
إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو لا يمكنه ان يعيش منفردا بل لا بد له من ان يعيش ضمن مجموعة شأنه في ذلك شأن كثير من المخلوقات كما قال تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}(الأنعام : 38).
- والإنسان وهو يعيش ضمن مجموعة ما فهو يؤثر فيها ويتأثر بها. فتتبلور شخصيته ووعيه من خلال هذا التفاعل الايجابي والسلبي. فهو يتأثر بالبيت الذي ترعرع فيه والمدرسة التي كان يتنقل في فصولها وأيضا الأسرة والإعلام المكتوب والسمعي والبصري الذي كان يتلقاه في كل أطوار حياته.
وتعتبر كل هذه المؤثرات مكونات أساسية لما بات يعرف بالثقافة.
الثقافة البانية والثقافة السائدة :
لا بد للشباب من الانتقال من الثقافة السائدة إلى الثقافة البانية.
إن الثقافة السائدة تطبعها مجموعة من السمات .فهي ثقافة مأزومة تحض على اليأس والخراب والضياع – ثقافة ماسخة ممسوخة. وقد تكون ثقافة جامدة لا تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات كما أنها قد تكون ثقافة منبتة نبتت في تربة غير تربتنا ثمارها الاستلاب الحضاري والهزيمة أمام الآخر والانبهار بحضارته مع ازدراء حضارة الأجداد والذات.
والانتقال يكون إلى الثقافة البانية التي من خصائصها كما يراها الدكتور حسن الأمراني ثقافة تأخذ بعين الاعتبار الثابت والمتغير. ثقافة تنتصر للحق وتقاوم الباطل.
ومن خصائصها أنها ثقافة ربانية. ثقافة إنسانية. محررة متحررة .ثقافة واضحة. متوازنة مسئولة واعية. (انظر كتاب النبراس – الثقافة البانية).
إن فترة الشباب فترة مهمة وخطيرة في نفس الوقت وعليها المعول في كل محاولات الإصلاح. وكل الدعوات عبر التاريخ اعتمدت بشكل كبير على فئة الشباب.
والذين آمنوا بالرسول [ وناصروه وحملوا رسالته في بداية الدعوة الإسلامية كانوا جلهم شبابا.
لذلك نجد أن عملية الهدم التي تجرى على قدم وساق في كل أرجاء العالم الإسلامي تعتمد على فئة الشباب. وكل البرامج الثقافية والإعلامية والفنية موجهة أساسا إلى هؤلاء. والفكر الهدام والفلسفات الغربية في العالم الإسلامي استهدفت طلبة الجامعة. لعقود مضت وكان نتيجة ذلك تكوين نخبة حاكمة لتنفيذ سياسات الغرب في كل دول العالم الإسلامي.
القرآن الكريم هو الأساس :
لقد كان القرآن الكريم منذ اللحظة الأولى لنزوله على قلب الرسول محمد [ منبعا ومصدرا للكثير من العلوم التي شكلت رصيدا هائلا من العلوم الشرعية ونذكر على سبيل المثال لا على سبيل الحصر (علوم اللغة – علم القراءات – التجويد – علوم القرآن – البلاغة – النحو– القصص القرآنية – علم البيان – التاريخ…)
وإن مما ابتلي به المسلمون وعلى الخصوص الشباب منهم هو هجر القرآن. وقد انطبق عليهم حديث الرسول [ (فعن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي [- شيئا فقال : وذلك عند ذهاب العلم قلنا : يا رسول الله كيف يذهب العلم ونحن قرأنا القرآن ونقرئه أبناءنا. وأبناؤنا يقرئون أبناءهم؟ فقال : ثكلتك أمك يا لبيد, إن كنت لأراك من أفقه رجل في المدينة. أوليس هذه اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيها بشيء؟)
يقول فريد الأنصاري رحمه الله في كتابه مجالس القرآن – من التلقي إلى التزكية : “أليس هذا القرآن هو الذي صنع التاريخ والجغرافيا للمسلمين. فكان هذا العالم الإسلامي المترامي الاطراف . وكان له الرصيد الحضاري العظيم. الموغل في الوجدان الإسلامي. بما أعجز كل أشكال الاستعمار القديمة والجديدة عن احتوائه وهضمه. فلم تنل منه معاول الهدم وآلات التدمير بشتى انواعها واصنافها المادية والمعنوية . وبقي رغم الجراح العميقة متماسك الوعي بذاته وهويته .
وما كانت الأمة الإسلامية قبل نزول الآيات الأولى من (سورة) العلق شيئا مذكورا.
وإنما كان هذا القرآن فكانت هذه الأمة. وكانت : {خير أمة أخرجت للناس}(آل عمران : 110).
لكن الذي يهمنا في هذا المقام ونحن نتحدث عن القران كأساس للثقافة الإسلامية عند الشباب هو ما تضمنه من إشارات إلى كونه هو المرجع والمصدر لكل توجه فكري ولكل انتماء حضاري باختصار شديد أن يكون هو البوصلة والميزان في عالم تكتنفه التحولات الاجتماعية والسياسية وتتقاسمه التيارات الفكرية المتنوعة كالرأسمالية واللبرالية والعلمانية. هذه التيارات أنشأت شبابا مشتت الفكر فاقدا للبوصلة والوعي بالذات والهوية الحضارية.
وقد تجلى ذلك في الإنتاج الفكري والثقافي والفني وحتى الميول الرياضية والاعلامية والتيه بين متاهات الشبكة العنكبوتية وشبكة التواصل الاجتماعي.
وإن من أهم خصائص القرآن الكريم أنه كتاب هداية للبشرية. قال تعالى في سورة الإسراء : {إِنَّ هذا الْقُرْآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم}، وقال تعالى في سورة المائدة {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم..}(المائدة : 15 – 16).
والقرآن نور يخرج به الناس من الظلمات الى النور . قال تعالى : {ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا}(النساء : 174).
وقال تعالى : {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}(التغابن : 8).
ومن شأن من يريد إصلاح هذه الأمة -والشباب أولى بالإصلاح من غيرهم- أن يعتمد على القرآن الكريم إذ كما قيل لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فعلية المعول وعليه الاعتماد ومنه يؤخذ المنهج.
ينبغي على الـمثقف أن يتعامل مع القرآن الكريم على أنه أصل :
يقول يوسف القرضاوي في كتابة “كيف نتعامل مع القرآن الكريم” ..(…بل ينبغي أن يكون موقفه من القرآن موقف المتلقي الذي يهتدي بهداه وينظر إليه على أنه الأصل الذي يرجع إليه . ويعول عليه . ويستمد إليه. ويحكم عند التنازع . فهو المتبوع لا التابع, والحاكم لا المحكوم, والأصل لا الفرع.
ولا بد أن ينزه نفسه عن سوء التأويل وعن لي اعناق النصوص ليا ليؤيد مذهبه الفقهي أو ميوله الفكرية أو نحلته الكلامية أو انتماءه الفلسفي..
قال تعالى : {أفرايت من اتخذ إلهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}(الجاثية : 23)، وقال تعالى : {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به – كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب..}(ال عمران : 7). وبالقرآن الكريم يكون الإحياء .
ولقد عرفت البشرية معجزات كثيرة من كل الأصناف ولكن القرآن يظل أكبر معجزة عرفها التاريخ فهو آخر كتاب أنزل. ولم يتطرق إليه التحريف وهو الكتاب الوحيد الذي يوجد بين يدي البشرية اليوم صحيحا سالما من التحريف والتزوير.
ومن أساسيات التعامل مع القرآن الكريم يكمن في التلاوة والحفظ والتدبر والعمل به والدعوة إليه.
كتب مهمة يحسن الاستفادة منها :
في هذا المجال يمكن الاستفادة من كتب عديدة ألفها رجال ذاقوا القرآن الكريم وعرفوا قوة تأثيره في الإصلاح ومن ذلك :
< كتاب كيف نتعامل مع القران الكريم ليوسف القرضاوي
< وكتاب آخر بنفس العنوان لمحمد الغزالي.
< وكتب الدكتور فريد الأنصاري والدكتور الشاهد البوشيخي.
< وكتاب مفاتيح للتعامل مع القرآن لصلاح عبد الفتاح الخالدي.
< وكتاب أبرز أسس التعامل مع القران الكريم لمؤلفه عياد بن أيوب الكبسي.
< وكتاب قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله. للشيخ عبد الرحمان حبنكة الميدان
< وكتاب مبادئ أساسية لفهم القران – لابي الأعلى المودودي.
وغير هذا أرجو أن يلتفت الشباب وطلبة العلم إليها والاستفادة منها في التزكية وربط العباد بالله جل وعلا وهداياته.
د. بنوهم محمد