العربية وتجديد أمر الدين


الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربنا آتنا في لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
مدار هذه الكلمة على خمس نقط :
1 – مقدمة في مفهوم التجديد ومنهاجه العام.
2 – العربية وتجديد فهم الدين.
3 – العربية وتجديد العمل بالدين.
4 – العربية وتجديد تبليغ الدين.
5 – خاتمة في أن حب العربية من حب الدين.
مقدمة في مفهوم التجديد ومنهاجه العام :
أيها الحضور الكريم،
منذ أن أهبط الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض والدين يتنزل، حتى خُتِمَ وكَمُلَ على يد سيدنا محمد [، وهو بين آدم عليه السلام ومحمد عليه السلام كان يُجَدّد، ثم استمر بعد محمد [ يُجَدّد، لكن التجديد الذي تم على يد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كان يَمَسُّ النص نفسه لأنهم رسل الله تعالى، والله جل وعلا يمحو ما يشاء ويثبت، وعنده أُمُّ الكتاب.
أما بَعْدَ محمد [ فإذا قال قائل ونطق ناطق بتجديد الدين، فإنما المقصود تجديد التديّن : تديّن الناس، فأما النص فقد كَمُلَ وانتهى، ولا سبيل إلى المساس به {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة : 4). لكن بعد الرسول الخاتم لا نبي، فمن يقوم بالوظيفة؟ وظيفة التجديد، ذلك بأن هذا الإنسان، وكل ما يحيط به، يَبْلى ويحتاج إلى أن يجدد، أي أن يُصَيَّر جديدا كما كان أول مرة، فذلك ما بشر به رسول الله [ في حديث أبي داود المشهور «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وفي رواية «يجدد لها أمر دينها» (رواه أبو داود). هذا التجديد أي تصْيير الدين الذي جاء به محمد [ كأنه جديد كما كان أول مرة، هو تجديد تدين الناس وتطبيق الناس للدين.
ومن ثم كان المنهاج العام لهذا التجديد هو:
أولا : تجديد فهم الناس، أي تجديد فهم المسلمين لهذا الدين الذي جاء به رسول الله [.
ثانيا : تجديد العمل به، أي تجديد العمل بهذا الدين على جميع المستويات في الفرد، في الأسرة، في المجتمع، في الدولة، في الأمة جمعاء بصفة عامة.
ثالثا : تجديد التبليغ نفسه؛ لأن الإسلام لمّا يعم الأرض، فلو أنه عم الأرض تلقائيا لانتهى التبليغ، ويبقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ظهور الدين بالمعنى الشامل لا بمعنى ظهور الحجة كما قيل أول مرة، ظهور الدين بمعنى شموله للكرة الأرضية كلها وهو شيء موعود من عموم الآيات {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة : 33) هذا الظهور الشامل والمفصل في الأحاديث أيضا كحديث : «إن الله زوى لي الأرض- أي جعلها كالزاوية وضعت أمامه [ – فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها….»(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) هذا الظهور قادم في المستقبل لَـمَّا ندركه بعد، ولكنه قادم بتبشير رسوله [ وإخباره بالغيب.
والسير التاريخي، والتطور القريب لما حدث في القرنين الأخيرين، والتطور الكبير الذي عرفته البشرية في المجال التقني كل ذلك يبشر بقرب هذا الوقت. وقد يكون -وأحسب أنه كائن إن شاء الله تعالى- قد يكون هذا القرن 15هـ هو القرن الذي لن تغرب شمسه حتى يكون الظهور الكامل لدين الله الحق {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} فتجديد التدين في الأمة تلقائيا يقتضي، تجديد فهم الدين، وتجديد العمل بالدين، وتجديد تبليغ الدين.
العربية وتجديد فهم الدين :
وإذا انتقلنا إلى النقطة الثانية التي هي العربية وتجديد فهم الدين نقول : ما هو حال الأمة اليوم في هذا الأمر؟ ما فهم الأمة اليوم للدين؟
وحين أقول الأمة لا أقصد بها ما يسمى اليوم بالوطن ولا بالدولة، ولكن أقصد كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في الكرة الأرضية كلها، هم جميعا يمثلون الأمة، هم جميعا قطع غيار متناثرة عبر الكرة الأرضية، منها يتشكل الكيان العام على ما هوعليه الآن، وعلى ما سيكون عليه غدا إن شاء الله تعالى. هذه الأمة فهمها للدين اليوم متأثر بمؤثرَيْن كبيريْن جعلاه ليس كما ينبغي :
المؤثر الأول : التأثر بالغرب القديم وهو مؤثر تاريخي يجوز أن أسميه من باب (الحج عرفة)، وقد تأثرت الأمة قديما بمفاهيم الغرب القديم التي تسربت إلى فهمها بصفة عامة عبر قرون، تسربت بزعامة الفكر اليوناني وغير اليوناني، تسربت وظهرت بأشكال مختلفة؛ شكل المنطق، وشكل التصوف، وأشكال أخرى، كل ذلك -على ما كان عليه وعلى ما صار عليه في تاريخنا- لم يأت به محمد . ومن عاشر القرآن الكريم، وعاشر السنة المشرفة، وعاشر وصحب الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين وتابعيهم، أي عاشر وصحب خيرَ القرون، وفَقه عنهم ما قالوا وما فعلوا، فسيرى أن الإسلام الذي كان، والدين الذي كان في خير القرون، ليس هو الذي يَدْرُج الآن في الأمة. وليس الذي كان بعد ذلك فيما تعاقب من القرون بعد خير القرون. فهذا المؤثر أثر تأثيرًا بالغا تسرب حتى إلى الأصلين : أصول الفقه وأصول الدين بنسبة ليست هينة.
المؤثر الثاني هو الغرب الحديث الذي له مقذوفات حضارية، فكرية، ثقافية، اجتماعية، أشكال من القذائف نفثها في روع الأمة، ونشِّئَت عليها ناشئات وليست ناشئة واحدة، فصار الأمر في غاية الخطورة، وصار تخليص الأمة من هذه الشوائب التي تشوب فهمها للدين، ليس بالأمر اليسير. ولكنه يسير على من يسره الله عليه.
هذا حال الأمة بصفة عامة، فما الذي يلزم لتصحيح فهم الدين؟ وما علاقة العربية بذلك؟.
العربية ها هنا هي الوسيلة التي بها إلى جانب أمور أخرى يتم الحسم، لا بد من التمكن من عربية عصر التنزيل لكي نفقه الدين، هذا الدين أنزل بلسان عربي مبين. في المراحل السابقة قبل رسول الله [ كان التجديد، بالمعنى الذي ذكرت، يتم بلسان الأقوام {وماأرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} لكن بعد الرسول [ لا سبيل إلى التجديد إلا باللسان العربي.
نجدد ماذا؟ يُجَدَّد ماذا؟ يُجَدَّد التديُّن. وأين يوجد الدين؟ يوجد في كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول هذا الأصل. أي يوجد في الكلام الذي هو الوحي. ولم يكن للصحابة غير هذا. وبه فعلوا ما فعلوا في التاريخ، فكان هذا الخير العظيم، وكانت هذه العمارة الضخمة المكونة من خمسة عشر طابقا في تاريخ الأمة، هذا الأصل لا سبيل إلى فقهه لتجديد تدين الناس به، أي لتجديد فهم الناس له، إلا بمعرفة عربية عصر التنزيل، أي معرفة العربية التي كانت في الوقت الذي كان يتنزل فيه القرآن، لأن العربية التي جاءت بعدُ عرفت تطورات دلالية. إذا أردنا أن نفهم القرآن بعربية القرون المتأخرة أخطأنا. لأن بعض الألفاظ تطورت دلالاتها، فإذا أسقطنا الدلالات المتأخرة على ألفاظ عصر التنزيل، فإنه يحدث إشكال عظيم ولن نفهم القرآن الذي أنزل بذلك اللسان، ولكن سنفهم قرآنا آخر نحن وضعناه لأنفسنا.
هذه الأولى.
والثانية هي أن هذا القرآن وإن كان أنزل بألفاظ اللسان العربي وبتراكيبه وعلى نمطه، إلا أنه هو نفسه طور دلالة الألفاظ فيه، لِنَقْلِ المسلم العربي إذ ذاك، والمسلمين بعد، مما كان مألوفا لديهم ومعهودا في دلالة الألفاظ، إلى ما يريد الله عز وجل أن يرتقوا إليه، وأن يرتفعوا إلى مستواه، فكانت الدلالة القرآنية. هذه الدلالة لها خصوصية يمكن تسميتها بعربية القرآن. هناك عربية عصر التنزيل، وهناك عربية القرآن. في القرآن خصوصيات دلالية لا توجد في الشعر العربي، ولا في النثر العربي، لأن الناطق بذلك الشعر وذلك النثر بشر، أما الناطق الآن بهذا الكلام في القرآن فهو رب البشر. وإذن لا بد من التمكن من العربية لإحداث التجديد المطلوب. لا سبيل لنا، بغير هذا، إلى تحقيق هذا المراد، لا سبيل.
العربية وتجديد العمل بالدين :
عمل الأمة اليوم بالدين كما سبقت الإشارة متأثر بواقعه، وإذا رصدناه رصدا عاما نجد أنه يكشف التخلق بدين الإسلام اليوم، بالمعنى الذي قلت عن الأمة. هذا التخلق يكشف عن جهل، إلا من رحم الله، وهم قليل. يكشف عن جهل بأنواع مختلفة من الجهل. ويكشف كذلك عن أشكال من الأهواء التي هي من الظلمات التي ينبغي أن يُخرج منها الناس إلى النور.
هذا الواقع يقتضي أن يُركز أولا في تخليق الأمة وتجديد عملها بهذا الدين، على التحقق من فهمها له -كما سبقت الإشارة- فالتحقق قبل التخلق، ثم من بعد ذلك يأتي بذل المجهود لجعلها تَلْبَس الدين، لأن الدين لباس.، الدين خلق {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم : 4) ومما فسر به هذا الكلام: إنك على دين عظيم. ثم {ولباس التقوى ذلك خير}(الأعراف : 25). الدين : «ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل».
فإلباس الأمة الدين يقتضي تلقائيا العربية، لتتصل الأمة مباشرة بالأصل، ولتتخذ هذا الأصل وسيلة للمحاسبة والمراقبة والمتابعة أيضا; فقول الله عز وجل {ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}(آل عمران : 78) تعليم الكتاب ودراسة الكتاب للتحقق مما في الكتاب، ثم من بعد ذلك تأتي نتيجةُ ذلك التي هي الربانية التي تتجلى خُلُقاً في عباد الله عز وجل الذين تعلموا الكتاب ودرسوه، فبسبب {بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} ينتج أن تكونوا ربانين، و«نضَّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها -ها هنا التحقق- فأداها كما سمعها» الأداء فيه أداء اللفظ، وهذا الذي يستعمل عند علماء الحديث، وفيه الأداء العملي التخلقي، والإنسان كما يؤثر بالمقال يؤثر بالحال، بل إن التأثير بالحال أولى من التأثير بالمقال.
يمكن أن نقول إذن : إن أهم شيء يدفع المسلم دفعا إلى التخلق إنما هو حَاقُّ التذوق، بمعنى أنه إذا تذوق هذا الدين كما قال رسول الله [: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» (رواه مسلم)، هذا الذوق، إنما يحصل، أو من أسباب تحصيله، التمكن من اللغة التي بها نطق القرآن، ونطق بها سيدنا محمد [ وأعرب وأبان، فمن حصل له فقه المعنى بعثه بعثا، ودفعه دفعا، لكي يتخلق بذلك.
العربية وتجديد تبليغ الدين
هذا التبليغ فيه الصورة الفردية، وفيه الصورة الجماعية وفيه الصورة التي هي الصورة الحقة الكبيرة، هي صورة الأمة. وهنا لا بأس أن أفرق بين منهاجين عامين : منهاج يستطيع به الفرد أن ينتقل، ومنهاج لا يستطيع به حتى الفرد نفسه في الحقيقة أن ينتقل إلا داخل إطار الأمة، وسيدنا محمد [ اشتغل في المرحلة المكية بهذا النقل الفردي، ولكن في المرحلة المدنية تكونت الأمة رسميا. وفي أول وثيقة لرسول الله [ عبر بلفظ الأمة، الوثيقة السياسية الأولى التي وضعها [ في المدينة. بعد ذلك ظلت الأمة تتطور وتنمو حتى وصلت إلى مرحلة الاكتمال. وبذلك انتهت رسالة رسول الله وجاءه {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} (سورة النصر) انتهت عملية البناء والتأسيس جملة.
ولكن هذا التأسيس لم يتم إلا في الصورة النموذجية الكبرى التي هي الأمة، فنحن اليوم لتجديد تبليغ الدين يجب أن نعمل على تأهيل الفرد، ليكون حقا مبلغا، أي ليفهم حق الفهم، ويتخلق حق التخلق، أي يتحقق ثم يتخلق، ثم يتأهل تلقائيا بسبب ذلك للشهادة على الناس. هذا شيئ مهم، ولكنه بمثابة اللبنات الأولى.أما الهدف الكبير فهوالسعي العام لإظهار الأمة.
الأمة الآن ليست في الوضع الذي يصلح للشهادة، نحن وظيفتنا الشهادة على الناس {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}(البقرة : 142) هو وحده [ يكفي للشهادة، ونحن جميعا نقابله [. الأمة بمجموعها تؤدي وظيفته بمفرده [. هذا الوضع لا يكون إلا إذا كانت الأمة، هل الأمة الآن موجودة؟ لا يكاد يوجد شرط من شروط وجودها الآن، لا أقول، لا يوجد، ولكن يكاد لا يوجد، لقد مُزقنا ووُزِّعنا ووُضعت الحواجز بين أجزاء الأمة بأشكال مختلفة. وبين ما ينبغي أن نصير إليه وما نحن فيه،، مسافات ومسافات. ولكي تعود الأمة من جديد صالحة، لكي تكون، ثم لكي تتأهل فتصير صالحة بوضعها العام للشهادة على الناس كما ترك [ الأمة بعد حجة الوداع، تحتاج إلى جهود وجهود.
فلذلك لا بد في هذا الاتجاه نفسه، من الدفع -بأشكال مختلفة- لكل قطعة من القطع التي تتكون منها هذه الأمة جغرافيا، إلى أن تحسِّن أحوال العربية في بلدها. لابد من هذا. هذه مسؤولية الأفراد والجمعيات، ومسؤولية الجماعات والمنظمات الدولية كالإسيسكو وغيرها، مسؤلية عامة، مسؤولية الدول، لا يجوز ولا يعقل في دولة إسلامية أن يكون لها لسان غير اللسان العربي، بحكم أنها دولة إسلامية، لابد أن تتخذ اللسان الرسمي هو اللسان العربي. لو أردنا الآن أن نجتمع فمن شروط هذا الاجتماع اللغة الواحدة، اللغة الجامعة. ما هي اللغة الجامعة لهذه الأمة في آسيا وإفريقيا وغيرها؟ لن تكون غير لغة القرآن التي اختارها الله عز وجل، فهي التي تجمعنا. ومن ثم ينبغي أن تتقوى في كل بلد، إلى أن يجعل من لسانه اللسان العربي. وإنه من المناكر التاريخية اتخاذ ألسنة غير اللسان العربي في مناطق متعددة من العالم الإسلامي. هو من المناكر التاريخية التي تجب منها التوبة، سواء في الهند، أو ماليزيا، أو إيران أو في أي مكان، فجمع كلمة شعوب الأمة {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات : 13) هذه الشعوب الإسلامية لابد أن تجتهد في الاجتماع على اللغة العربية، وأن تسعى لاتخاذ اللسان العربي في مرحلة تمهيدية لِسَانًا لَهَا، ثم بعد ذلك يكون تأهيل الأمة للشهادة على الناس تلقائيا بوصلها بالأصل؛ لأن جميع أشكال الوصل التاريخي (كما أشرت في الأول) لا تجمع الناس، بمعنى إذا حاول شخص أن يرجع بالأمة إلى القرن الماضي، وأن ينطلق منه، ويتخذه الأساس، أو القرن السابع، أو القرن الخامس، كل هذه القرون ليست لها الخيرة الشرعية، ولا تصلح للاقتداء، ولا تصلح لتجديد الدين من جديد، إنما يُجَدَّدُ الدين انطلاقا من الأصل، فلابد من وصل الأمة بالأصل.
ثم لابد بعد في هذه الأمة من التواصل، بعد هذا الوصل بالأصل، على أساس هذا الأصل.
ثم بعد ذلك الاتصال المطلوب الذي ينبغي أن يكون بين شعوب الأمة لتتوحد في أي شكل من أشكال التوحد، لابد من هذا لابد.
قدر هذه الأمة أن تتوحد، سواء سمينا أنفسنا الولايات المتحدة الإسلامية، أوسميناها شكلا آخر، لابد أن نتوحد، لنكون أمة واحدة. لأن لفظ الأمة في حد ذاته يشعر، بل يستلزم وجود شيء واحد يُؤَم، ووجود إمام يُؤتم به، ووجود الجميع يَؤُم أمراً واحداً، ويقصد قصدا واحدا. أمة الإسلام ليست هي هذه القطع المتناثرة اليوم إلا من جهة كونها قطع غيار صالحة لصنع الأمة المنتظرة.
حب العربية من حب الدين :
ومن ثم أختم بأن حب العربية هو من حب الإسلام، وكره العربية هو من كره الإسلام، الذي يكره العربية يكره الإسلام والذي يحب العربية يحب الإسلام، فالتلازم بينهما تام، ولا يمكن غير هذا.
ومن ثم لابد من ثلاثة أمور ينبغي أن نجتهد فيها نحن هنا في المغرب، ويجتهد فيها المسلمون في أي نقطة من الأرض، لجعل هذه الأمور الثلاثة تُحل فيها العربية محلها المطلوب.
المجال الأول : هو مجال التعليم بجميع أنواعه؛ يجب أن يكون اللسان السائد فيه، من الأوَّلي حتى نهاية التعليم العالي، هو اللسان العربي. وكل تأخر في تحقيق هذا المقصد يؤخرنا، ويؤخر التنمية في بلادنا، وفي أي بلد آخر. إنما تقفز الشعوب، وتحدث لها الطَّفْرَة الحضارية بلغتها؛ لأن الإنسان عندما ينطق بلغته، ويفكر بلغته، ويخترع بلغته، يسرع في العملية. وقد جُرِّب هذا فَصَحّ في عدة جهات هنا في المغرب وفي غير المغرب.
فلذلك كان التعريب نفسه شرطاً للتنمية الحقيقية للأمة؛ لأن التعريب يصل الزمن ببعضه، ويهيئ صاحبه للانتقال إلى المستقبل بقوة كبيرة.
المجال الثاني هو مجال الإعلام الذي يجب أن يتكلم العربية.
والمجال الثالث هو الإدارة : التي يجب أن تتكلم العربية أيضا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.

أ.د. الشاهد البوشيخي

———-
(*) موضوع ألقي على هامش الندوة التي نظمها المجلس العلمي بفاس حول اللغة العربية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>