بنبض القلب – ارتسامات سائح في بلاد محمد الفاتح (7) المغرب وتركيا، الذاكرة المشتركة


كانت آخر محطة لنا في هذه الرحلة الغنية بالعبر المستوحاة من التجربة التركية، محطة «سيلفيري» siliveri وهي موقع للاسترخاء والاستجمام بامتياز وذات حمولة تاريخية وثقافية متميزة، تبعد حوالي خمسين كيلومترا عن استمبول الأوربية، أسسها الإمبراطور البيزنطني أناسطاس الأول «Anastase 1er» الذي حكم مابين (491 و518م) كقلعة للدفاع عن القسطنطنية ضد الغزاة القادمين عبر البحر، وتتميز بسورها العظيم الذي يعتبر درعا واقيا لها والذي يمتد على طول 56 كلم من بحر مرمرة إلى البحر الأسود… غادرنا الفندق في آخر يوم لنا بسيلفري حوالي السابعة مساء بالتوقيت المحلي في اتجاه مطار استمبول وفي النفس هموم كثيرة عن الوطن العزيز المغرب، هل يمكن يوما أن يصبح بلدا متميزا على الصعيد العالمي نظرا لما يزخر به من إمكانيات لا تقل عن إمكانيات تركيا نفسها، وعلى طول الطريق الممتد من سيلفيري إلى المطار، كنت أستعيد شريط العلاقات التركية المغربية، من الزمن العثماني إلى عصر العثمانيين الجدد، فبالرغم من أن المغرب الأقصى هو البلد العربي الوحيد الذي لم يخضع لسلطة الإمبراطورية العثمانية، إلا أن العلاقات ظلت تتأرجح بين مد وجزر، فالأطماع العثمانية لم تتوقف عن ضم المغرب إلى نفوذها وذلك من خلال المحاولات المتكررة من قبل «دايات الجزائر» الذين كانوا يمثلون السلطة العثمانية بالبلد الجار، وقد تمكنوا من الوصول إلى فاس وتنصيب «أبو حسون» الوطاسي حاكما عليها، فما لبث محمد الشيخ السعدي أن قضى على نفوذ أبي حسون سنة 1555م، وظلت مناوشات الجيوش العثمانية على الحدود المغربية الجزائرية قائمة، حتى كانت معركة وادي المخازن التي انتصر فيها المغاربة تحت قيادة أحمد المنصور الذهبي سنة 1578م، حيث صرف العثمانيون فكرة احتلال المغرب، بل اعتبروا هذا النصر العظيم نصرا للإسلام بالغرب الإسلامي، وتعبيرا عن تقديرهم للمغرب بعث السلطان العثماني هدية لسلطان المغرب وهي عبارة عن سيف مرصع بالذهب، ومن غريب الصدف أن الجيش المغربي المنتصر على البرتغال وإسبانيا في هذه الواقعة العظيمة كان من أبرز قواده «جُِؤْدَرْباشا» وهو تركي،،، ظلت العلاقات بين المغرب وتركيا يطبعها الاحترام والتقدير حتى انهيار الخلافة العثمانية سنة 1923 وسقوط المغرب في أيدي الحماية، وبعد الاستقلال تميزت بالفتور وقلة التعاون نظرا لعدم الاهتمام من الجانبين، وأمام المغرب وتركيا اليوم فرصة كبيرة للتعاون في شتى المجالات، سواء منها الفلاحية والصناعية أو السياسية والثقافية، نظرا لتشابه الإمكانيات وللاستقرار الذي ينعم به البَلدان…
حوالي الساعة الرابعة صباحا بتوقيت المغرب حطت الطائرة بمطار الدار البيضاء، وعلى متن القطار الرابط بين الدار البيضاء والرباط كنا نمر بمدننا المتربة وأكوام القمامة على حافتي السكة الحديد… لم أستطع أن أحبس دموعي المنهمرة وأنا أقارن بين حال وحال، مع أن الإمكانيات لا تعوزنا، شيء واحد فقط ينقصنا إنه حب هذا الوطن الجميل، وكثير من الحكامة الجيدة والخوف من الله عز وجل، التفت نحو زوجتي التي صاحبتني خلال هذه الرحلة، فوجدتها هي الأخرى تغرق في صمتها الحزين، فعرفت أن نفس الإحساس يغمرها، ونفس الحلم في أن يكون المغرب أجمل البلدان.

ذ: أحمد الأشهب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>