بأقلامهـــــن من أوراق شاهدة – حتى لا يكون الفاتحون مجرد وهــم


تعلق الأمر بحرق الأعصاب واستهلاك الدخان بشراهة وشرب القهوة المركزة، ولا بعصر خلايا الدماغ على شاكلة ثوار هافانا لصياغة فصول إيديولوجية مبهرة الصورة، تريح فئات وتغص بها فئات، فتنهار كقصر من رمال، بل هو دستور رباني سطر مسار دعوة فارقة بين مرحلتين. مرحلة كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ومرحلة أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير إذ كان وحيا ربانيا منزلا بقصد إرساء معالم الأمة الرسالية للعالمين وترسيخ هياكلها الصلبة في تجاويف المصطفين من أصحاب رسول الله . ولأجل ذلك كانت عين الله تعالى الصانعة تعيد الخطو إلى مضماره حين تزيغ القلوب عن اليقين في الله، إلى حول الذات ومطامعها الفانية، في اتجاه حفظ الصبيب الرسالي الرامي إلى تطهير الأرض والإنسانية من ثمار الكفر المرة. ومتى ترسخت هذه المشاعر الراقية البعيدة عن المطامع والأغراض كان التمكين. ونحن في دياجي هذا التمزق العملاق الذي يعبث بساطور جهنمي في الجسد العربي المثخن مدعوون في أحلك ظرف لا نظير له إلا ذاك الذي شهد مقتلة عظيمة لفئتين مسلمتين هما فئتا علي ومعاوية رضي الله عنهما، إلى استحضار هذه الكيمياء المقدسة لرجال ونساء رضي الله عنهم فكانوا أهل المحجة البيضاء بحق. وزوغاننا الجلي في الكثير من مناحي حياتنا اليومية عن محجتهم جسر الهلاك الأكيد مصداقا للحديث النبوي الشريف «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
إن كف اليد وإقامة الصلاة دعوة عظيمة للتطهر والتزكي والتصفية والتآخي والإيثار حتى إذا تحركت اليد والرجل كان بطشها موزونا هينا لينا ضمن قواعد أخلاقية لا توغل في دماء ولا تغتنم مقامات الاستضعاف للسلب والسبي والانتهاك للحرمات واستعراض بطولات البنادق والوجوه الملثمة الغامضة والذبح الهوليودي لعبيد تائهين كان أولى أن ترقق قلوبهم وتدجن جاهليتهم فينقادوا طواعية إلى لواء التوحيد، لواء «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وكان أنبل، استشعار الهم والحزن لأجل الضالين لا الاحتفاء بصور ألوية سوداء أشبه بالفزاعات في غياب أرضية الدعوة الرحيمة، مقرونة باستعراض سيارات هامر المدججة بالفاتحين الوهميين، وهي تشق المدن والقرى وتنشر الهلع أينما حلت كقوافل الكاوبوي بأفلام الويسترن.
لم ينشغل الصحابة بإشعال حمم الدم في إخوانهم وتسجيل شرائط التصفيات تحت مسمى التصحيح للعقيدة بل انشغلوا باستنقاذ العباد من طاغوت الأكاسرة والقياصرة من كل جنس بالحسنى.. ولم يكن غرضهم البحث عن منافذ إلى البحر وشفط ثروات البلدان وإذلال رجالها وسبي نسائها. يقول د يحيى بشير حامد البطوش (وهو بالمناسبة عسكري سابق في القوات المسلحة الأردنية) في كتابه القيم (التخطيط العسكري في السنة النبوية ص 9 / 10).. «إلا أن المتأمل في سيرته عليه الصلاة والسلام وفي وضعه الخطط العسكرية يلاحظ مدى عنايته صلوات الله وسلامه عليه بمراعاة ناحيتين مهمتين في الخطط وهما : الناحية الأخلاقية والناحية الدعوية. فخططه عليه الصلاة والسلام وخطط خلفائه الراشدين من بعده كانت تضع هاتين القضيتين على سلم أولويات القادة العسكريين».. ولا نصر إلا بالعودة إلى خارطة الطريق التي نزلها الفاتحون القدامى حتى لا يكون حديثنا عن الفاتحين الجدد مجرد أوهام، ويكونوا هم نسخة من الذين قال فيهم الشاعر المتنبي:
إن السلاح جميع الناس تحمله
وليس كل ذوات المخلب السبع

ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>