مـنـا قـشـة السـؤال الـمـعـلـق «أ» من الحلقة 19
ختمنا الحلقة الماضية 19 المحجة عدد 429 بثلاثة أسئلة هي :
أ ـ هل يستوعب مصطلح البنية كل ما ذكر من أنواع الكلمات وغيره مما لم يذكر؟ ونعني بهذه الكلمات مصطلحات القواعد الواحدة والعشرين التي وظفناها في مناقشة العنوان أعلاه من الحلقة 1 إلى 19
ب ـ هل يدرك التعامل مع النصوص المكتوبة باللغة العربية دلالات كل ما يستعمله من مكونات الكلام أثناء شرح النصوص أو قراءتها، ونعني بمكونات الكلام كل ما يساعد على البيان من حرف أو حركة، أو شكل دون آخر من أبنية الكلمات؟
جـ ـ هل نستحضر دلالات مكونات الكلام ـ المشار إليها قبله أثناء تلقين قواعد اللغة العربية للراغبين فيها من المتعلمين؟ أو بمعنى آخر هل تربط بين دلالة المكون اللغوي في قاعدة ما وبين وظيفته التي يؤديها في البيان، هل، وهل…؟
أعدنا هذه الأسئلة الثلاثة التي ختمنا بها الحلقة الماضية مع إضافة توضيح لكل منها، وذلك لأجل مناقشتها كما يلي :
ـ لخصنا في الحلقة الماضية (19) المحجة 429 كل القواعد التي وظفناها في مناقشة العنوان العام أعلاه “اللغة العربية…” وهي خمس عشرة قاعدة دون اعتبار المكرر منها، والملاحظ بخصوص هذه القواعد أن مصطلح البنية على وزن فِعْلة الذي يوحي بدلالة الهيئة، لا يمكن أن يستوعب كل مكونات الكلام التي منها بعض القواعد المذكورة، لأن البنية عل وزن فِعْلة كما سبق القول تدل على الهيئة. وهذا الوصف يمكن أن ينطبق على عدد من المشتقات دون سواها كبنية الفعل الماضي الثلاثي التي يأتي على وزن فَعَل، ومصدر الفعل الثلاثي المتعدي الذي يأتي على وزن فَعْل بفتح الفاء وسكون العين مثل : ضَرْب، وقَتْل وذَبْح، واسم الفاعل من الثلاثي الذي يأتي على وزن فاعل كقاتل، وكاتب، وكورود بعض الكلمات أفعالا كانت أم أسماء على شكل معين في مجال دلالي معين مثل مجيء الأفعال الدالة على المرض على وزن فَعِل بكسر العين مثل وَجِعَ ومَرِضَ، وسَقِم و….. وقد أورد سيبويه عددا من الأبواب التي تتضح دلالات كلماتها التي تبنى على شكل معين في مجال معين منها :
أـ باب ما جاء من الأدواء 4/17 ومن أمثلته، “وجِع، يوْجَعُ وَجِعا، ووَجِل يَوْجَل وجلا، ومرِض يمرض مرضا، وسقم يسقم سقما.
ب ـ باب فعْلان ومصدره وفعله (لما كان من الجوع والعطش) ومن أمثلته : ظمئ يظمأ ظمأ وهو طمأن، وعطش يعطش عطشا وهو عطشان. وصَدِي يَصْدى وهو صَدْيان ق 4/21.
حـ ـ باب ما يبنى على أفْعَل (للدلالة على اللون) ومن أمثلته أدِم يأْدَم أُدْمة، وشهِبَ يَشْهَبُ شُهْبَة… ق 4/25
دـ باب أيضا في الخصال (ما كان حُسْنا أو قبحا) ومن أمثلته : قَبُح يقْبُح قَباحة، ووسُم يوْسم وسَامَة ومَلُحَ مَلاحَة، وسَمُح سماحة… ق 4/28
هكذا يتضح من الأمثلة أعلاه أن الأبنية لها وظائف دلالية بشكل معين في مجالات معينة، فالفعل الثلاثي في أمثلة “أ” أي في مجال الأدواء يأتي على وزن فعِل بكسر العين ويأتي المصدر منه على وزن “فَعَلِ” بفتح الفاء والعين معا.. ويختلف على باب ما دل على الجوع والعطش في الصفة المشبهة التي تأتي بدل اسم الفاعل على وزن : فَعْلان”. في حين أن مصدر ما دل على اللون يأتي على وزن “فُعْلة” بضم الفاء وسكون العين. أما مصدر ما كان حسنا أو قبحا فإنه يأتي على وزن فعالا، أو فعالة. هكذا يتضح أن البنية على وزن فِعْلة لها وظيفة دلالية في الخطاب العربي ….. لكن الذي يجعلنا لا نقول باطراد هذا المصطلح في هذا النوع من الكلمات. وفيما يشيه هذه الأنواع من المجالات، أننا نجد كلمات أخرى لا تخضع لمثل هذه الضوابط المتعلقة بالبنية بمعنى أن تدل الكلمة على معنى معين بهيئتها، بل ثمة كلمات تستعمل بدل كلمات أخرى تنوب عنها في الدلالة على ذلك المعنى. وهذا ما نلاحظه في باب الاستغناء أي استغناء ببنية عن أخرى إن صح أن نقول في مثل هذا النوع بنية، ونقتطف بهذا الخصوص أمثلة من ثلاثة أبواب عند سيبويه، وهذه الأبواب هي :
أـ هذا باب يستغنى فيه عن ما أفعله بما افعل فِعْلَه، وعن أفْعَل منه بقولهم : هو أفعل منه فِعْلا، كما استغني بِتَرَكْتُ عن ودَّعْتُ، وكما استغنى بنسوة عن أن يجمعوا المرأة على لفظها، وذلك في الجواب. ألا ترى أنك لا تقول : ما أَجْوَبَه إنما تقول : ما أَجْوَد جوابه، ولا تقول: هو أجوب منه، ولكن هو أجود منه جوابا…. ق 4/99
ب ـ هذا باب ما أفعله على معنيين، تقول: ما أبغضني له، وما أمقتني له، وما أشهاني لذلك. إنما تريد أنك ماقِتٌ، وأنك مُبْغَض، وأنك مُشْتَه. فإن عنيتَ غيرك قل :
ما أفعله، إنما تعني به هذا المعنى.
وتقول : ما أمقته وما أبغضه إليَّ، إنما تريد أنه مقيت، وأنه مُبغض (إليك) كما تقول: ما أقبحَه، وإنما تريد أنه قبيح في عينيك…. 4/99-100
ح ــ هذا باب ما تقول العرب فيه ما أفعله وليس له فعل وإنما يُحْفَظُ هذا حفظا ولا يقاس.
قالوا : أحنكُ الشاتين، وأحنَكُ البعيرين. كما قالوا : آكل الشاتين كأنهم قالوا : حَنِك ونحو ذلك. فإنما جاءوا بأفْعَل على نحو هذا وإن لم يتكلموا به…
وقالوا رجل… وإن لم يتكلموا بالفعل…
وهذه الأسماء التي ليس فيها فعل ليس القياس فيها أن يقال أفعل منه ونحو ذلك…. 4/100
هكذا يتضح في هذه الأبواب الثلاثة الأخيرة (أـ ب ـ جـ) أنها ليست كالأبواب الأربعة قبلها (أـ بـ ح ـ د)، فأمثلة الأنواع الثلاثة الأولى من الأربعة تتفق في وزن الماضي والمضارع وتختلف فيما بعدهما، حيث نجد “فَعَلْ” بفتح الفاء والعين لما دل على الداء. و”فُعْلان”بضم الفاء وسكون العين للدلالة على اللون. هذا وينفرد ما كان حُسْنا أو قُبْحا من الخصال بماضيه ومضارعه ومصدره. فلكل نوع من هذه الأنواع الأربعة بنية يتميز بها بخلاف الأنواع الثلاثة الأخيرة (أـ ب ـ ح) التي لا تدل على معانيها مباشرة، وإنما تحتاج إلى واسطة أو تأويل، أو هما معا. ففي المثال…. يستغنى بكلمة عن أخرى، وأمثلة النوع الثاني (ب) تحتاج إلى تأويل. أما النوع الثالث (ج) فهي ذات أصول افتراضية فقط بحيث غن أصول هذا النوع من التعابير لم يتكلم بها العرب على حد تعبير سيبويه.
لكل ما سبق أن المقارنة بين أمثلة المجموعة الأولى الأربعة (أ ـ ب ـ حـ ـ د) وأمثلة المجموعة الثانية (أـ ب ـ حـ) يتضح أن مصطلح البنية غير مطرد. ولعل المعيار الفاصل بين النوعين هو مفهوما السماع والقياس. وسنضيف من النصوص ما يميز بين السماع والقياس. ومن ثمة توضيح مجال مصطلح البنية، وما يخرج من مجاله من أنواع مكونات الكلام التي تحتاج إلى مصطلح آخر أعم وأشمل في حلقة مقبلة إن شاء الله تعالى.
.د. الحسين كنوان