لم تكن كليات الآداب في العصر الحديث في يوم من الأيام جزءا أساسيا من مشكلات التعليم العالي، ولا عقبة في الإصلاح أو التنمية، وإنما كان لها الدور الأكبر في ذلك على الأقل من خلال ما تبوأه خريجوها من مناصب في مختلف هياكل الدولة، وفي كل القطاعات العامة والخاصة على السواء. والناظر بعين فاحصة إلى الواقع الحالي يجد أن العديد من الطلاب الذين كانوا مسجلين بالكليات العلمية بل وتخرجوا فيها قد أعادوا الكرة في كليات الآداب وسجلوا فيها من جديد ليتخرج العديد منهم بشواهد عليا، وبعضهم الآن أساتذة في هذه الكليات يشهدون على ذلك بكل وضوح.
ولم يكن ما يدرس في كليات الآداب من علوم ومعارف، في يوم من الأيام على امتداد التاريخ جزئا من أي مشكل أيضا، بل كانت الثقافة الأدبية بتنوعاتها جزءا أساسيا من التكوين العلمي، إذ أنه في تاريخنا الإسلامي، لا بد للطبيب والمهندس وعالم الفلك وغيرهم من ثقافة أدبية تؤهلهم لغويا وفكريا ومعرفيا للمشاركة في مجالس العلم والمعرفة التي كانت تعقد هنا وهناك. ويمكن أن ننظر على سبيل المثال إلى ابن البناء العبدي المراكشي عالم الرياضيات والطب والفلك، الذي كان على دراية واسعة بفنون اللغة العربية وبالفقه والحديث. ولذلك فإنه كما ألف في الرياضيات والفلك، ألف في العربية وفنونها، فكان من ذلك كتابه القيم المشهور “الروض المريع في صناعة البديع”.
كيف يمكن أن تكون المشكلة في كليات الآداب وهي الحارسة الأمينة، على صلب ما ورد من قوانين منظمة للتعليم العالي بما في ذلك القانون 0000 وخاصة في المشروع المقترح لمراجعته في المادة 1(مكرر) المتعلقة بالمبادئ والمرتكزات الأساسية التي ورد فيها أن من هذه المرتكزات “التمسك بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الروحية والأخلاقية القائمة على الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار…” والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية الموحدة، والثوابت الوطنية الراسخة بروح الانتماء الوطني…” و”العمل على تطوير وتنمية التدريس باللغة العربية في مختلف ميادين التكوين والبحث، وعلى إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التعليم، مع الحرص على تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر انتشارا…”.
كل ذلك لا يمكن أن يؤتي ثماره إن كانت كليات الآداب غائبة أو مغيبة عن دورها في التنمية، أو غير حاضرة بقوة لأداء هذه الأدوار المهمة، فشعب اللغات وفي مقدمتها شعبة اللغة العربية وشعبة الدراسات الإسلامية وشعبة التاريخ والجغرافية وغيرها من الشعب لها الدور الأكبر في الحفاظ على اللغة العربية وعلى الهوية الوطنية وفي الانفتاح على اللغات العالمية والثقافات الأخرى.
صحيح أن كليات الآداب تتخبط في مشاكل عديدة تتعلق بالتكوين وآفاق العمل بالنسبة للخريجين، لكن في اعتقادي ليست الوحيدة في هذا الباب فالكيات الأخرى ذات الاستقطاب المفتوح تعيش في المشاكل ذاتها.
لكن المشكل الأساسي في نظري بالنسبة لكليات الآداب هو مشكلة التوجيه الذي يبتدئ من المرحلة الأولى للثانوي، إذ لا يُوجَّه ولا يتوجه نحو الشعب الأدبية إلا الضعاف من التلاميذ الذين لم يحصلوا إلا على معدلات متدنية.. إلى درجة أن بعض المؤسسات الإعدادية قد لا يتوجه منها أي واحد نحو التوجه الأدبي لأن المعدلات تكون كلها عالية. وهذا هو الغريب حقا.
نعم هو الغريب، إذ كيف أن ينتظر من قطاع اسمه : كليات الآداب، لا يُوَجَّه إليه إلا الضعاف أن يؤدي دوره بصورة كاملة ويحقق ما هو مرسوم له مما سبقت الإشارة إليه…
لا يمكن على الإطلاق، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل كلية الآداب عاجزة عن أداء دورها المنوط بها بشكل كامل، وهذا يعني أن المشكلة لا تتعلق بكليات الآداب من حيث هي، ولكن بالمُخرَجات التي تؤدي إليها. والتي ينبغي أن يعاد فيها النظر جملة وتفصيلا.
د. عبد الرحيم الرحموني