العلاقة بين الرجل والمرأة كما يريدها الله عز وجل


إحياء اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من شهر مارس يأخذ أشكالا مختلفة تختلف باختلاف الخلفيات العقدية والثقافية. وكثيرا ما تستغل بعض الجهات المغرضة هذا اليوم فتقوم بمحاولة تلفيق تهمة إهانة الجنس اللطيف والاستنقاص من شأنه لشرع الله عز وجل. ولهذا ارتأينا الكتابة عن العلاقة بين الرجل والمرأة كما يريدها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفي سنة رسوله .
< أفعال الله الباري تعالى كلها حكمة : وقبل الحديث عن هذه العلاقة لا بد من الانطلاق من حقيقة لا تقبل الشك أو التشكيك، وهي خلو أفعال الخالق سبحانه وتعالى من العبث مصداقا لقوله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ومعلوم أن العبث هو ما لا قصد ولا غاية له ولا فائدة من وراءه. وحين ينفي الخالق سبحانه العبث عما خلق بما في ذلك خلق الإنسان، فهذا يعني أن وراء خلقه غاية وقصد. وقوله تعالى: وأنكم إلينا ترجعون يعني أن الرجوع عودة، ولا تستقيم العودة عقلا ومنطقا إلا إذا كانت مسبوقة بجيئة أو مجيئة. والعودة منطقا وعقلا تنفي عن الجيئة العبث. ولا ينفي الله عز وجل العبث عن خلق الإنسان وحده بل عن خلق الكون برمته مصداقا لقوله تعالى: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين . واللعب واللهو عبث وهما نقيضان للجد والقصد، وقد نفى الله تعالى اللعب واللهو عما خلق ونزه ذاته المقدسة عن ذلك . < من الحكم الإلهية في تشريع الزواج : ومن حكمة الخالق سبحانه أنه ضبط العلاقة بين بني الإنسان ذكورا وإناثا ضبطا دقيقا. وشاءت إرادته سبحانه وتعالى أن تكون هذه العلاقة هي علاقة الزواج التي اقتضاها القصد من خلق الإنسان وهو ما بين الجيئة والعودة من ابتلاء واختبار ينتهي بجزاء أو عقاب. وعلاقة الزواج هي الجمع بين زوج كل واحد منهما مع الآخر الذي هو من جنسه لغرض وقصد التكاثر الذي اقتضته إرادة الابتلاء والاختبار بعد الاستخلاف والاستعمار في الأرض. وعلاقة الزواج عند الإنسان تختلف عن علاقة الزواج عند غيره من المخلوقات الأخرى المتزاوجة حيث يقتصر التزاوج بين هذه المخلوقات على قصد واحد هو التكاثر في حين تتجاوز علاقة الزواج عند الإنسان هذا القصد إلى قصد آخر هو الاستخلاف والاستعمار في الأرض والابتلاء والاختبار فيهما. ولقد نص الله عز وجل على علاقة الزواج بين أول زوج خلق، وهما آدم وحواء عليهما السلام في قوله تعالى: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، ولم يصف حواء بوصف غير وصف الزوجة. ولم يقتصر هذا الوصف عليها بل جعله الله عز وجل وصفا لكل أنثى بعد ذلك، ولم يستثن من ذلك أحدا من خلقه إلا أم المسيح مريم العذراء عليهما السلام التي لم يجعل لها زوجا، ولم تكن زوجة لأحد، وكانت أما، وستبقى الأم العازبة الوحيدة في العالم. وكتب الله عز وجل الزواج على صفوة خلقه من رسل وأنبياء عليهم السلام أجمعين فقال جل شأنه: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ولو كانت علاقة الزواج عبثا لنزه الله عز وجل عنها صفوة خلقه. وعن هذه العلاقة تنشأ باقي العلاقات مصداقا لقوله تعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وقوله أيضا: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ، والنسب يكون عبارة عن ذكور ينسب إليهم، والصهر يكون عبارة عن إناث يصاهر بهن. وعن النسب والصهر تنبثق علاقات وتتشعب لينتهي بها الأمر إلى شعوب وقبائل. ومن أجل إنجاح علاقة الزواج جعل الله عز وجل أساسها المودة والرحمة مصداقا لقوله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، ومعلوم أن السكينة ميل وانجذاب قوامهما المحبة والرقة والتعطف. والسكينة بمودتها ورحمتها تجعل الأزواج يفضي أو يصل بعضهم إلى بعض، ويترتب عن ذلك ميثاق غليظ كما سماه الله عز وجل في قوله: وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، والميثاق عهد مسؤول بين طرفين يكون الخالق سبحانه وتعالى ثالثهما يراقبهما ويضمن حق كل منهما، ومن هنا اكتسى الميثاق قوته وخطورته. وكتب الله عز وجل على علاقة الزواج المعروف والإحسان في حالتي وجوده وانفصامه معا مصداقا لقوله تعالى: إمساك بمعروف وتسريح بإحسان ، فما كان التسريح منه بإحسان فدوامه أولى بالمعروف. < فاحشة الزنى والحكمة من تحريمها : وإذا كان الله عز وجل قد أحاط علاقة الزواج بين الذكور والإناث بعنايته، وضبطه بضوابط، فإنه في المقابل منع كل أشكال العلاقات الخارجة عن إطار علاقة الزواج، وحذر الخلق منها وتوعدهم بصارم العقاب في العاجل والآجل مصداقا لقوله تعالى: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ، والزنى علاقة أساسها الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج، وهي علاقة لذة محضة لا مودة ولا رحمة فيها، إذ لو كان فيها شيء من ذلك لصارت زواجا، ولا يمكن أن يدعي من يمارس الزنى سواء كان ذكرا أم أنثى أنه يود ويرحم من يزني به، ولو كان وادا أو راحما لما رضي بعلاقة لا سكينة فيها ولا مودة ولا رحمة على الدوام، بل كل ما فيها شهوة شخصية عابرة سرعان ما تزول وتخلف الآثار السيئة في النفوس، وتؤثر أخطر التأثير على كل العلاقات المنبثقة عن الزواج، وفيها إهلاك للحرث والنسل. ومنع الله عز وجل كل أنواع العلاقات التي يكون أساسها الزنى أي اللذة الجنسية التي لا مودة ولا رحمة فيها، ومن ذلك علاقة المخادنة وهي المصاحبة السرية بغرض الزنى مصداقا لقوله تعالى: محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فالإحصان عفة، وهي نقيض دنية السفاح والمخادنة. ولقد أقر الله عز وجل عيون خلقه بعلاقة الزواج مصداقا لقوله تعالى في وصف عباده المؤمنين: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، فالعيون إنما تقر بسكينة الزواج وما فيه من مودة ورحمة لا بلذة السفاح والمخادنة. ومن العلاقات المنحرفة عن علاقة الزواج والتي حرمها الله عز وجل إلى جانب السفاح عمل قوم لوط ، والتي قال فيها الله عز وجل على لسان نبيه لوط : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ، وجعل عقاب هؤلاء مدمرا مصداقا لقوله تعالى: وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . ومنعا للسفاح والمخادنة وعمل قوم لوط والذي أصبح يسمى “زواج المثليين” في عصرنا، وتشجيعا على الزواج فتح الله عز وجل باب التوبة لعباده من أجل تصحيح كل انحراف يلحق علاقة الزواج مصداقا لقوله تعالى: ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ، وهذا عرض سخي ومربح لكل من صحح انحرافه بترك العلاقات المنحرفة عن علاقة الزواج. ومعلوم أن الانحراف عن علاقة الزواج إلى غيرها إنما مصدره إبليس اللعين المخلوق الشرير الذي أقسم أن يغرر ببني آدم لينحرفوا عن الفطرة التي فطرهم الله عز وجل عليها مصداقا لقوله تعالى: وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . ومع وضوح صيانة المرأة من خلال صيانة علاقة الزواج يأبى بعض المتحاملين على الإسلام إلا النيل منه واتهامه بأنه يستنقص من شأنها، علما بأن القائلين بذلك يفضلون العلاقات الفاسدة على علاقة الزواج، وهو أمر يثبته واقع الحال من خلال تشجيع المخادنة واعتبارها حرية من الحريات التي تستوجب الصيانة والاحترام، ومن خلال تشجيع السفاح والدفاع عن تداعياته من خلال الدفاع عما يسمى “الأمهات العازبات” وهن المسافحات ومتخذات الأخدان في الغالب باستثناء بعض ضحايا الاعتداءات الجنسية، ومن خلال الدفاع عما يسمى “زواج المثليين” أو العاملين عمل قوم لوط. وتتبنى العديد من الجمعيات والهيئات المحسوبة على حقوق الإنسان الدفاع عن هذه الأشكال الفاسدة من العلاقات التي تقوض علاقة الزواج وما يتفرع عنها من علاقات. < من سبل الغواية والإغراء للمرأة : مع شديد الحسرة والأسى تنساق الكثير من النساء في بلاد الإسلام وراء الدعوات التي تهدف إلى نسف علاقة الزواج واستبدالها بعلاقات فاسدة تحط من الكرامة الإنسانية. ومع أن صيانة الكرامة الإنسانية واضح أنها لا تتحقق إلا بالزواج فإن العديد من النساء يملن إلى غيرها من العلاقات المنحرفة. وكيف يمكن أن تثق المرأة في أصحاب خلفية الاعتقاد بعبثية الحياة وهو اعتقاد يستبيح كل شيء في هذه الحياة بما في ذلك الإنسان وعلاقاته المختلفة، وعلى رأسها علاقة الزواج التي هي أساس الحياة واستمرارها واستقرارها كمرحلة ابتلاء واختبار تعقبها مرحلة محاسبة وجزاء؟ فإذا أقرت المرأة بعبثية الحياة استساغت العلاقات المنحرفة عن علاقة الزواج لأن العبث يواجه بالعبث، وكذلك فعل الفلاسفة والمفكرون العبثيون فارتبط الذكور منهم بالإناث ارتباط مخادنة وسفاح وفق خلفيتهم العقدية. وكيف تثق المرأة بمن يستعمل جسدها وسيلة إشهار لتسويق المنتوجات المختلفة إذ لا يتم الترويج لمأكول أو مشروب أو مركوب أو غير ذلك إلا عبر جسد المرأة، وهو ابتذال فاضح لكرامتها، ومع ذلك تقبل عليه العديد من النساء لأن المستهدفين لكرامتهن بهذه الطريقة يزينون لهن ذلك ويبهرجونه تحت شعارات التقدم والتطور والحرية … وتحت كل شعار مدغدغ لمشاعر خارجة عن سيطرة العقل الضابط؟ وفي المقابل كيف تصدق المرأة أن الإسلام حين يصون جسدها بما يستره، ولا يبتذله بإشهار أو غيره يهينها ويستنقص من شأنها ويحط من كرامتها؟ ونختم بحديث لرسول الله وهو: “ما تركت بعدي من فتنة أضر على الرجال من النساء”، وهو حديث يلوي المغرضون من خصوم الإسلام بعنقه ويستدلون به عن سوء تأويل لاتهام شرع الله عز وجل بالاستخفاف بالمرأة واعتبارها مجرد فتنة، والحقيقة أن دلالة هذا الحديث بعيدة كل البعد عن الاستخفاف بالنساء بل دلالته تركز على تحذير الرجال دون النيل من النساء بشكل من الأشكال، ذلك أن لفظة فتنة لها معان متعددة فهي تدل على الإعجاب والميل والوله والضلال والصد والخلاف والاختلاف، فأية دلالة تفهم من الحديث؟ هل التحذير من إعجاب وميل ووله أم من ضلال وصد واختلاف؟ وتحذير الرجال من فتنة النساء الضارة هو تحذير من الانحراف بعلاقة الزواج بهن إلى العلاقات الفاسدة من سفاح ومخادنة، لقول الله عز وجل: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا وهل توجد فتنة أضر على الرجال من فتنة تفضي إلى الفاحشة وسوء السبيل؟ وأخيرا نختم بالقول إنه لا يمكن الجمع بين علاقة الزواج والعلاقات المنحرفة الأخرى لأنهما نقيضان لا يجتمعان، وإذا حل أحدهما نفى الآخر ونقضه، لهذا لا بد للذين زلت بهم أقدامهم ذكورا وإناثا من الاستفادة من فرصة التوبة النصوح قبل حلول ساعة الرحيل عن الدنيا عسى الله عز وجل أن يبدل سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب فإنه يتوب إلى الله متابا. ذ . محمد شركي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>