التنصير تحريف للحقيقة ونشر للباطل


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وصل اللهم وسلم على آله وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين. وبعد:
لقد من الله تعالى على أمة الإسلام بإرسال محمد هاديا للناس ومخرجهم من الضلالة إلى الهدى، إلا أن الإنسان قد يصاب بالعجب حين يرى أتباع هذا الدين الحق متقاعسين عن نشره والذب عنه، في حين أن أهل الخرافات وعلى رأسهم النصارى في نشاط دائم وعمل مستمر من أجل توسيع رقعة أتباعهم، وإبعاد الناس عن العقيدة الصحيحة، يذكر محمد أعراب في كتابه “التنصير هذه الوثنية الخفية” أن أحد العائدين من ديار المهجر أخبره “أن امرأة نصرانية استوقفته فأهدت له مجموعة من الكتب، ثم دعته إلى النصرانية، فقال لها: إنه مسلم مؤمن بعيسى بن مريم رسول الله، وأن عقيدة المسلمين فيه أنه عبد الله ورسوله وليس ابن الله ولا أحد ثلاثة (الأب- الابن – الروح القدس) فكيف تدعون المسلمين إلى ترك الإيمان الصحيح بعيسى ليعتنقوا هذا الثالوث؟ قال أعراب: فأجابته إجابة حسنة غير متوقعة :”هل قدمت لي شيئا فرفضته؟ ” فسكت!!(1).
فهذه الحادثة وغيرها ـ كثيرـ (2) تؤكد لنا أن من أهداف النصارى التركيز على تنصير المسلمين خاصة، وأكبر دليل على ذلك مؤتمر كلورادو بأمريكا سنة 1978م الذي اتفق فيه قساوسة النصارى على تنصير كل المسلمين وطي صفحة الإسلام (3).
- معنى التنصير :
لغة : تنصر الرجل: دخل في النصرانية، ونصره تنصيرا: جعله نصرانيا (4).
اصطلاحا: عرف بعدة تعاريف، إلا أن هذه التعاريف (5) ركزت على جوانب دون أخرى:
- فبعضها حصر التنصير في الجانب السياسي الاستعماري؛
- وبعضها حصره في دولة أو جهة معينة؛
- وبعضها ربطه بانتهاء الحروب الصليبية؛
وقد حاول محمد بن موسى في كتابه التنصير عبر الخدمات التفاعلية لشبكة المعلومات التفاعلية تعريف التنصير تعريفا جامعا، قال: “التنصير بذل المجهود لإدخال غير النصارى في النصرانية” (6)، وفي نظري أنه ينبغي إضافة عبارة “مع التركيز على العالم الإسلامي” لهذا التعريف، باعتبار أن هذا العالم يعتبر العقبة الوكداء بالنسبة للنصارى.
- معنى التبشير :
لغة: البشارة: الإخبار بالأمر السار، والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير، وتكون بالشر إذا قيدت كما في قوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم (7).
اصطلاحا:جاء في قاموس الكتاب المقدس:” المبشر من يعظ ببشارة الخلاص متنقلا من مكان إلى آخر، لا يستقر في مكان مخصوص، إنما همه التجول، يعظ بالإنجيل ويؤسس الكنائس باسم المسيح” (8).
- معنى الكرازة :
لغة: في معاجم اللغة العربية لا تعني مادة كرز ما يقصده النصارى، بل لا وجود فيها لمصطلح الكِرازة والتكريز، قال الفيروز أبادي في القاموس المحيط : “كرز يكرز كروزا: دخل واستخفى، وكرز إليه: التجأ ومال…” (9).
اصطلاحا: الكرازة:” المناداة علنا بالإنجيل العالم غير المسيحي” (10).
كيف انتقلت النصرانية من دين حق إلى أباطيل؟
مما لا شك فيه أن الله تعالى بعث عيسى رسولا، فأوحى إليه كما أوحى لباقي الأنبياء والرسل، إلا أن رسالته خضعت لتغير كبير جدا، فانتقلت من دين حق إلى خرافة، فكان ذلك عبر مراحل :
< المرحلة الأولى : أول من غير في المسيحية هو شاؤول اليهودي، الذي كان عدوا لسيدنا عيسى عليه السلام وأتباعه، ولم يكن من حوارييه، ولما رفع عيسى تحول إلى المسيحية، فأعلن فكرة المسيح ابن الله، وابتدع ما يسمى باللاهوت والناسوت (11)، وأن ابتداء الابن من مريم اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي (12). < المرحلة الثانية : توسعت الدولة الرومانية وتنصرت على الطريقة الوثنية حسب تعاليم بولس، بل أصبحت النصرانية الدين الرسمي للدولة، فاحتدم الصراع بين المتمسكين بما كان عليه عيسى وبين بولس وأشياعه. ولما تنصر الإمبراطور قسطنطين، وأراد تأييد الكنيسة، دعى إلى عقد مؤتمر نيقيا سنة 325م، ضم هذا المؤتمر أكثر من ألفي رجل دين من مختلف المذاهب المسيحية، وكان الهدف منه الرد على أريوس، الذي كان يرى أن عيسى رسول وليس إلها، ولما كان أغلب الأساقفة والآباء الروحانيين يميلون إلى رأي أريوس، فض الاجتماع لأنه كان يميل لرأي أثناسيوس، ثم أعيد انعقاده بحضور تسعين وثلاثة مائة منهم فقط، وتم تأييد رأي الكنيسة، وهذه بعض قراراته: - إقرار عقيدة التثليث وألوهية المسيح وأنه المخلص؛ - القضاء على جميع الكتب المقدسة التي تتعارض مع قرارات المؤتمر. < المرحلة الثالثة: تميزت هذه المرحلة بعودة المسيحيين إلى عقيدة التوحيد، لأن الإمبراطورة قسطنطينة كانت على مذهب أريوس، فاستطاعت إقناع الإمبراطور بقبول مذهبه، فطرد أثناسيوس واستدعى أريوس لزيارة القسطنطينية ما بين سنة 325م و326م. وبعد مدة قصيرة ارتدت الكنيسة إلى عقيدة التثليث الوثنية، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، والنصرانية على هذا الاعتقاد الفاسد (13)، وقد تحدث القرآن الكريم عن كفرهم في قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد (14). عقيدة النصارى التي يبشرون بها : لقد أحسن محمد أعراب حين قال بعد حديثه عن عقيدة المنصرين:” ولا يليق هذا بالنصارى وبخاصة في عصرنا هذا، عصر العلم والنور، وهم من هم في العقل والبحث العلمي، ولكنهم انحطوا في الفكر الديني بسبب التقليد الأعمى للسابقين الذين وقعوا في هذا الغلو والشطط حتى حرفوا به دين المسيح” (15). وقال أيضا أنسليم تورميدا عن عقيدة النصارى المحرفة :”هذه العقيدة يمكن أن تكون تسلية للأطفال، ولا يصح أن تكون عقيدة الرجال الأذكياء” (16). قلت: والحق أنها لا تصلح حتى للتسلية، بل هي عبارة عن مقولات باطلة تستخف بخالق الكون، ولبيان ذلك أوجز لك أيها القارئ الكريم مقولاتهم حول عقيدتهم من خلال بعض ما ذكره ابن حزم الظاهري عن فرقهم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل: فمن فرقهم الملكانية: ادعت أن الله تعالى ثلاثة أشياء: أب ـ وابن ـ وروح القدس، كلها لم تزل، وأن عيسى إله تام كله وإنسان تام كله، ليس أحدهما غير الآخر، وأن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل، وأن الإله منه لم ينله شيءٌ من ذلك، وأن مريم ولدت الإله والإنسان، وأنهما معاً شيءٌ واحد. ومن فرقهم النسطورية (17): قالت مثل ذلك سواءً بسواءٍ إلا أنهم قالوا إن مريم لم تلد الإله وإنما ولدت الإنسان، وأن الله تعالى لم يلد الإنسان وإنما ولد الإله، تعالى الله عن كفرهم. ومن فرقهم اليعقوبية: قالت إن المسيح هو الله تعالى نفسه، وأن الله تعالى عن عظيم كفرهم مات وصلب وقتل. وأن العالم بقي ثلاثة أيام بلا مدبر، والفلك بلا مدبر، ثم قام ورجع كما كان، وأن الله تعالى عاد محدثاً، وأن المحدث عاد قديما،ً وأنه تعالى هو كان في بطن مريم محمولاً به (18). فمن السخافة إذن التي يسخر منها حتى الصبيان، أن يحل خالق الكون سبحانه في رحم امرأة في هذه الأرض التي نسبتها إلى سائر ملكه لا شيء، ثم يكون بشرا يأكل ويشرب ويتعب، ويعتريه غير ذلك مما يعتري البشر، ثم يأخذه أعداؤه بالقهر والإهانة فيصلبوه مع اللصوص ويجعلوه ملعونا (19). الحقيقة التي لا غبار عليها : إن الحق الذي لا يشك فيه عاقل ولا أحمق (20)، هو أن المسيح عليه السلام رسول الله وعبده، أرسله الله تعالى لتبليغ الرسالة، فنفذ ما أُمِر به بكل أمانة ومسؤولية، إلى أن رفعه الله تعالى إليه، ويمكن تأكيد هذه الحقيقة بما ورد في بعض الأناجيل وأكده القرآن الكريم: - روى يوحنا في إنجيله قول عيسى :” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته” (21). قال رشيد رضا معلقا على هذا النص:” لو لم يكن عندهم من النصوص في عقيدة التوحيد التي جاء بها المسيح إلا هذا النص الذي رواه يوحنا في إنجيله لكفى” (22). - في إنجيل مرقس:” وفيما هو خارج إلى الطريق، ركض واحد، وجثا له، وسأله:« أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» فقال له يسوع: « لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد، وهو الله. » (23). في قول عيسى -كما أشار لذلك تقي الدين الهلالي- ” ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله” اعتراف بعبودية المسيح لله تعالى، لأنه أراد بالصالح الكامل الذي لا يعتريه النقص بحال، وليس ذلك إلا لله تعالى” (24). - وفي القرآن الكريم كل المخلوقات ترجو رحمة الله، ومنهم عيسى عليه السلام، قال الله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا (25). قال ابن عباس ومجاهد: هم عيسى وعزير والملائكة وغيرهم” (26). ذ.عبد العلي الوالي ——————- 1 – التنصير هذه الوثنية الخفية، من إصدارات فرع رابطة علماء المغرب ط: 1. ص : 124 2 – اكتشاف إحدى الأستاذات بمدرسة عمر بن الخطاب بتاوريرت مجموعة من الوثائق النصرانية في حوزة إحدى التلميذات.(جريدة التجديد ع: 501.). 3 – الغارة الجديدة على الإسلام لمحمد عمارة، شركة نهضة مصر، ص: 50. 4 – الصحاح للجوهري، دار العلم للملايين، ط: الرابعة، ص: 2/ 829. 5 – الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ص: 2/665 ـ أضواء على التبشير والمبشرين لسلامة عبد المالك ص: 22 ـ الموسوعة العربية العالمية، ص: 7/ 249. 6 – كتاب التنصير عبر الخدمات التفاعلية، رسالة ماجستير نوقشت بجامعة الملك سعود، ص: 16. 7 – مختار الصحاح للرازي، مادة بشر. 8 – قاموس الكتاب المقدس، مفردة المبشر. 9 – القاموس المحيط للفيرو أبادي، مادة كرز. 10 – التنصير عبر الخدمات التفاعلية، ص: 17 11 – أي أن الطبيعة الإلهية اختلطت بالطبيعة البشرية في صورة عيسى . 12 – هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصار لابن قيم الجوزية، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة. ص: 171. 13 – الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة لناصر القفاري وناصر العقل، دار الصميعي، ط: الأولى، ص: 71. 14 – المائدة: 73. 15 – التنصير هذه الوثنية الخفية، ص: 27. 16 – لماذا اعتنقت الإسلام ص: 48. 17 – نسبة إلى البطريرك نسطور الذي كان بالقسطنطينية. 18 – الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، دار الجيل، ص: 1/110ـ111. 19 – تفسير المنار، ص: 6/26. 20 – ذكرت الأحمق لأن الكثير من الحمقى يوحدون الله تعالى توحيدا صافيا من الشوائب. 21 – الفصل: 17. 22 – تفسير المنار، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ص: 6/78. 23 – الفصل: 19، رقم 17ـ18. 24 – سبيل الرشاد في هدي خير العباد لتقي الدين الهلالي، ص: 1/149. 25 – الإسراء: 56ـ57. 26 – تفسير ابن كثير، دار الكتب العلمية، ط: الأولى، ص: 2/82.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>