الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين سيدنا محمد وبعد :
فإنه لما كان كل بناء لا يرتفع ارتفاعا مأمونا إلا إذا استند إلى أساس متين، فإن هذا المؤتمر العالمي الثاني للباحثين في السيرة النبوية في موضوع: آفاق خدمة السيرة النبوية، انبنى على أساس سابقه المتين، والذي كان في موضوع : جهود الأمة في خدمة السيرة النبوية.
وإذا كان المؤتمر الأول تستبطن فكرته دعوة إلى التعريف بسابق الجهود في مجال السيرة النبوية لتقويمها ثم الإفادة منها، وهي فكرة تلمع إلى وجود آلة القراءة السليمة لدى نخب هذه الأمة، فإن هذا المؤتمر الثاني تنطوي فكرته على دعوة إلى ارتياد جديد الآفاق في خدمة هذه السيرة الشريفة، وفي ذلك أيضا إلماع إلى وجود القدرة على الإبداع في هذه النخب.
إلا أن الكلام عن الآفاق في العلوم الإسلامية عموما، وفي علم السيرة خصوصا، متوقف على الاطلاع التام على أهم ما كتب سابقا في هذا الفن موثقا، وهذا أمر لا يزال فيه صعوبة الآن، لعدم استكمال كثير من عيون ما صُنف في السيرة خصوصا، وفي فنون الأثر على وجه أعم بالنشر العلمي. ولعل الله تعالى قد ادخر لهذا المؤتمر المنعقد لبحث آفاق خدمة السيرة الشريفة أن يكون مفتاحا لباب التفكير في مؤتمر آخر تتدارس فيه قضية نصوص السيرة الشريفة تعريفا وتقويما.
وإنني بعد الثناء على موضوع المؤتمر أُعَرِّج على مؤسسة البحوث والدراسات العلمية «مبدع» مهنئا، ولست قاصرا هذه التهنئة على اختيارها السيرة الشريفة ميدانا للبحث، وموضوعا للدراسة، وإنما أعديها إلى التهنئة على رفيع التصور لمواقع الارتياد، وآفاق البحث في هذا المجال، كما يدل على ذلكم ترتيب محاور هذا المؤتمر، وانتقاء موضوعاته.
كما أنني أيضا أجد لساني مطواعا لينطق بتلاوة آي الشكر لمؤسسة «مبدع» أمينا عاما وأطرا، وذلك بتشريف مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية لأن يكون شريكا في هذا المؤتمر، الذي يعد موضوعه مجال اشتغاله، وميدان تخصصه. ومن المقعد الذي أقتعده لإلقاء هذه الكلمة في هذه الجلسة الافتتاحية، وهو مقعد تمثيل مركز ابن القطان المتخصص في الدراسات المتعلقة بالحديث والسيرة فإنني أسجل بإعجاب كبير الربط البديع بين علم الحديث وفن السيرة الشريفة، مع الحيز الواسع الممنوح لهذا الزوج في محاور مؤتمرنا هذا وذلك من حيث أفق مصادر السيرة، وأفق متنها، وأفق فقهها، وأفق تقريبها، وأفق المشاريع الخادمة لها، وذلك الربط ينبئ إنباء بيّنا عن خصوصية العلمين، وتداخل ما ألف فيهما تداخل مادة، وتداخل تصنيف.
ولأجل تداخل المادة : اعتمد أهل السير المنهج العام للمحدثين في سياقها، حتى عدت كثير من كتب السيرة كسيرة ابن اسحاق، ومغازي موسى بن عقبة من مصادر الحديث، ووقع العزو إليها في كتب المتأخرين عند التخريج. كما أن كتب تواريخ المحدثين ضمت مادتها إلى جانب تراجم رواة الحديث : السيرة الشريفة، وأخبار الصحابة، التي يعد ما وقع المخبر عنه بها في الزمن الشريف جزءا من السيرة.
ولأجل تداخل التصنيف : فإن بعض الكتب في الفنين تصنف طورا ضمن كتب الحديث، وطورا آخر ضمن كتب السيرة، وذلك ككتب الشمائل المصطفوية والدلائل النبوية والخصائص المحمدية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور محمد السرار